للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثاً: الرد بتوضيح المسألة وتوجيهها على وجه لا اعتراض عليه:

أحيانا كان التاج السبكي لا يرد الاعتراض ويبين فساده بل وجدته يقرِّر المسألة ويزيدها وضوحاً بحيث يزول الإشكال عنها. ومن الشواهد الدالة على ذلك قوله في بيان سبب إطلاق لفظة الأصح في مسألة التخصيص بتقرير النبي صلى الله عليه وسلم: ((قيل: من نازع أنّ فعله صلى الله عليه وسلم تخصيص؟ حتى تشيروا إلى الخلاف بقولكم في الأصح فقلت: الكرخي، وأبو الحسن من الحنفية ... قيل فمسألة التقرير المذكورة هنا معادة في أول كتاب السنة حيث قلتم: ((وسكوته الصلاة عليه والسلام بلا سبب إلى آخره))

فقلت: اعلم أنّ التقرير تفعيل من الإقرار، تقول: أقرّ يقرّ تقريرا، ولا خفاء في أن التقرير فعل، فمن أقرّ غيره فقد فعل التقرير، وهل السكوت عند فعل الغير تقرير أولا؟ هذا محل نظر المسألة المذكورة في باب السنة فالبحث هناك عن أن السكوت هل هو تقرير؟ وهنا عن أن التقرير هل هو تخصيص؟ فهما مسألتان.)) (١)

ففي هذا المثال اكتفى التاج السبكي بتوضيح المسألة وأنّ ذِكْره للتقرير في باب التخصيص ... وباب السنة، ليس من باب التكرار وإنما هو لأجل اختلاف المسألتين كما رأيت.

وفي أحيان أخرى وجدته يكتفي في الرد بإعادة نص ((جمع الجوامع)) كما هو لبيان سقوط لفظة منه، بها يستقيم الكلام، ويبطل الإيراد، فمن ذلك قوله: ((وقولكم: هل يلحق بولد دون والد ما يماثله، [أي: هل يمنع من ظهورها كرامة لولي الولد دون الوالد وما يماثله أم لا؟] قال التاج السبكي عن ذلك إنه: ((عجيب، مع أنّ عبارتنا ((قال القشيري: ولا ينتهون إلى نحو ولد دون والد))، ولعلَّ لفظةَ نحو ساقطة من نسختكم، وإلا فليس له قلب جماد بهيمة ونحوه.)) (٢)

المبحث الخامس

منهجه في النقل عن غيره من العلماء

من خلال مطالعاتي في مؤلفات التاج السبكي توصَّلت إلى نتيجة حتمية مفادها أنّ التاج السبكي يُعدُّ من أكثر علماء الأصول إطلاعا على الكتب والمؤلفات الأصولية وأقوال العلماء ... وآرائهم، يظهر ذلك من خلال غزارة مصادره في التأليف، والتي مرَّ معظمها في الفصل السابق، كما يظهر ذلك من غزارة النقول المبثوثة بين ثنايا مؤلفاته، وكان للتاج السبكي أساليبُ متعدِّدة في نقل هذه الأقوال والآراء عن غيره - وإن كانت هذه الأساليب لا تخصُّه وحده، - ومن هذه الأساليب: -


(١) المصدر السابق ص ٣٦٤
(٢) المصدر السابق ص ٢٤٥

<<  <   >  >>