هذه هي أهم المصادر التي اعتمد عليها التاج السبكي في شرحه ((للمنهاج))، وبذلك ترى غنى هذا الشرح بالمعلومات الفائقة، مع ما امتاز به التاج السبكي من التصريح بأصحاب الأقوال الذين ينقل عنهم، وبذلك يمكن أن يعدّ ((الإبهاج)) موسوعةً أصوليةً غنيةً بالأقوال والمسائل، يستطيع الباحث خلاله الاطلاع على أكبر قدْرٍ ممكن من أقوال العلماء وآرائهم في المسائل الأصولية، بحيث توفّر له الجهد والوقت.
[المطلب الرابع: مقارنة بين شرح ابن السبكي وشرح الجزري للمنهاج]
حتى تتبين أهمية ومميزات شرح التاج السبكي ((للمنهاج)) لا بدَّ من بيان أوجه الاتفاق ... والاختلاف بين ((شرح التاج السبكي)) وشروح غيره ((للمنهاج))، وقد اخترتُ لعقد هذه المقارنة شرح الجزري ((للمنهاج)) المسمى بـ ((معراج المنهاج))، ومن خلال النظر في الشرحين تبيَّن لي بعض الفوارق بين هذين الشرحين، ومن هذه الفوراق:
١ - الجزري لم يخرج في شرحه عن عبارات الإمام الرازي حيث كانت هذه العبارات مُوْفيةً بالغرض إلا نادراً، بخلاف التاج السبكي فمع اعتماده على عبارات الرازي؛ إلا أنّه كثيراً ما كان يخرجُ عنها ويأتي بغيرها، بل وكان يناقش الرازي في كثير من العبارات.
٢ - الجزري اقتصر في شرحه على شرح عبارة ((المنهاج))، بأسلوب واضح سَلِس غير متكلف فيه، ... ولا يَحيدُ عن الشرح إلا نادراً، بخلاف التاج السبكي فقد امتاز شرحه بالإسهاب والتطويل وذِكْر كثير من المسائل والفروع المتمِّمة لشرح المسألة.
٣ - الجزري أَعْرَضَ عن شرح بعض عبارات ((المنهاج)) التي رأى أنّها واضحة لا تحتاج إلى بيان، بخلاف التاج السبكي فقد شرح كلّ ما ورد في المتن مع بعض زيادات أخرى عليه.
٤ - الجزري لم يتعرّض لذِكر الآراء والأقوال الأخرى في المسائل المطروحة بخلاف التاج السبكي فقد كان يستوعب الأقوال والآراء في كثير من المسائل.
٥ - الجزري لا يتعرّض لذِكر الاعتراضات والإيرادات كثيراً، بل كان يُعرِض عن ذكر هذه الاعتراضات إلا فيما دَعَت إليه الحاجة الماسّة مما لا يُستغنى عنه في الفهم، بخلاف التاج السبكي، فقد كان مُولعاً بذِكر هذه الاعتراضات والإيرادات في كثير من المباحث.
٦ - لم يكثر الجزري من مناقشة البيضاوي أو مخالفته، بخلاف التاج السبكي الذي كان ينتقد البيضاوي ويناقش عباراته وآراءه وقد خالفه في عدد لا بأس به من المسائل.
٧ - لم يتعرّض الجزري لذِكر فروع فقهية مبنيّة على المسائل الأصولية كما أنّه لم يكن مهتمّاً بتخريج الأحاديث التي يذكرها أو يستدل بها، بخلاف التاج السبكي في كل ذلك.
هذه أهم الفوارق بين شرحي التاج السبكي والجزري ((للمنهاج))، وهذا لا يعني عدم وجود نقاط اتفاق وتوافق بينهما بل هناك بعض نقاط التوافق بينهما من أهمها:
١ - أنّ كلاهما شافعي المذهب وكلاهما كان مُهتمّاً بإبراز حقيقة المذهب الشافعي في المسائل المطروحة.
٢ - أنّ كلاهما كان يهتمّ بتحرير محل النّزاع في المسائل المدروسة، ولم يكن أي منهما يُطْلق النِّزاع دون تحديد لمحلِّه.