للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[محنته التي واجهها في القضاء]

لا شك أنّ المكانة الاجتماعية والعلمية المرموقة التي حازها تاج الدين السبكي، وما تولاه من وظائف إدارية، ومناصب تدريسية عجز كثير من معاصريه عن نيلها أو تحقيق بعضها، كل ذلك أثار حفيظة الحساد والمناوئين له الذين ناصبوه العداوة والبغضاء، ولقد تجلّت هذه العداوة بوضوح عندما تولى التاج السبكي وظيفة القضاء في الشام سنة ٧٥٦ هـ، فبدأ الحاقدون يدسون الدسائس، ويثيرون الشبهات حول الإمام، ويطعنون في تقواه وعدالته، بل تعدّى ذلك إلى الطعن في إسلامه ورميه بالكفر، وكان من نتيجة هذه المحاولات أن صرف التاج السبكي عن القضاء مراراً.

الأولى: كانت سنة ٧٥٩ هـ حيث عزل وتوجه إلى مصر ومكث فيها فترة قصيرة ثم أعيد إلى القضاء في نفس هذا العام (١).

الثانية: كانت سنة ٧٦٣ هـ حيث عزل مرة أخرى بأخيه بهاء الدين، وتوجه التاج إلى مصر وتولى وظائف أخيه البهاء، واستمر في ذلك حتى عام ٧٦٤ هـ (٢)، حيث روجع التاج في عودته إلى القضاء بالشام إلا أنّه رفض، فروجع في ذلك مراراً حتى وافق وهو كاره لذلك (٣)، وطوال مدة إقامته في مصر تلك الفترة حظي من الإكرام والتعظيم والتبجيل الشيء الكثير، وفي ذلك يقول الحسيني:

((وقد كان أيده الله تعالى في مدة إقامته بمصر على حالة شهيرة من التعظيم والتبجيل، يعتقده الخاص والعامّ ويتبرك بمجالسته ذوو السيوف والأقلام، ويزدحم طلبة فنون العلم على أبوابه، وتمسح العامّة وجوهها بأهداب أثوابه، ويقتدي المتنسكون بما يرونه من آدابه، فالله يمتع ببقائه أهل المصرين، ويجمع له ولمواليه خير الدارين بمحمد وآله)) (٤).

وقد كان يوم دخوله دمشق كالعيد لأهلها حيث استقبلته دمشق بالسرور والبشر والفرح العظيم (٥).


(١) انظر: ابن كثير، البداية والنهاية (١٤/ ٦٨٨)، الحسيني، الذيل على العبر (٤/ ١٧٧)، ابن شهبة في تاريخه (٣/ ١٣٣)
(٢) انظر: ابن كثير، البداية والنهاية (١٤/ ٧٢٥)، ابن شهبة في تاريخه (٣/ ٢٠٢)، ابن العراقي، الذيل على العبر (١/ ٨٢)
(٣) انظر: ابن كثير، البداية والنهاية (١٤/ ٧٢٧)، الحسيني، الذيل على العبر (٤/ ٢٠٠)
(٤) الحسيني، الذيل على العبر (٤/ ٢٠٠)
(٥) المصدر السابق

<<  <   >  >>