للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - وقوله في مسألة خبر الواحد مقبول في الحدود خلافا للكرخي والبصري: ((ومما يُردّ به عليهم القصاص، وهو مما يُدرأُ بالشبهات ومع هذا استدلوا عليه بخبر الواحد، كما استدلوا بخبرٍ مرسل في قتل المسلم بالذمي، واستدلوا بأثر عمر في قتل الجماعة بالواحد، واستدلوا في القصاص بالأقيسة، ... وهي أضعف من خبر الواحد.)) (١)

ففي هذا المثال ذكر لنا التاج السبكي فروعاً فقهيةً لينقض بها مُدّعا الخصم في عدم حجية خبر الواحد في الحدود حيث جاء بفروع فقهية قبلوا فيها خبر الواحد وما هو أقلَّ منه كالمرسل والقياس ... واستدلوا بها على أحكام شرعية من باب الحدود.

٤ - قوله في مسألة النفل لا يلزم بالشروع: ((ووجوبُ إتمام الحج لأن نفله كفرضه نيةً وكفارةً ... وغيرهما.)) (٢)

ذكر التاج السبكي هنا فرعا فقهيا جوابا لسؤال مقدرَّ تقديره: كيف تزعم أن النفل لا يلزم بالشروع مع أنكم تقولون بوجوب إتمام نفل الحج؟ فأجاب عنه التاج بقوله ووجوب إتمام الحج لأن نفله كفرضه، بمعنى أنه لا فارق بين الحج المفروض والحج النافلة ولا بأي وجه من الوجوه فالنية في كليهما واحدة والأركان واحدة، ومحرمات الإحرام واحدة، والكفارات المترتبة على ارتكاب المحظورات فيهما واحدة، بخلاف غيره كالصوم مثلا فإنّ النّية في فرضه تخالف النية في نفله، ففي الفرض يجبُ التبييتُ بخلاف النفل، ولا يترتب على إبطال صوم النافلة قضاءٌ ولا كفارة، بخلاف صوم الفريضة ونحوها، فظهرَ بذلك اختصاصَ الحج ببعض الأحكام دون غيره من النوافل والله تعالى أعلم.

وأحيانا أخرى وجدت التاج السبكي يذكر بعض الفروع لا لبنائها على الأصول، وإنما لبيان فسادها وعدم صحتها: ويدخل في ضمنها التعريض بالفقهاء المخالفين، ومن ذلك: قوله في مبحث التأويل من ((جمع الجوامع)): ((ومن البعيد تأويلُ أمسك على ابتدئ، وستين مسكيناً على ستين مُدّاً، وأيَّما امرأةٌ نكَحت نفسها على الصغيرة والأمة والمكاتبة، ولا صيامَ لمن لم يبيت على القضاء ... والنذر، وذكاة الجنين ذكاة أمه على التشبيه، وإنما الصدقات على بيان المصرف، ومن ملك ذا رحم على الأصول والفروع ... )) (٣)

فهذه الفروع ذكرها التاج السبكي لبيان فساد التأويل فيها وأنه لا يصح تأويلها على الوجه المذكور.

المبحث الثامن

منهجه في تخريج الأحاديث

لم يكن التاج السبكي مجرَّد أصوليٍّ فحسب، بل لقد كان ذا علوم كثيرة ومتنوعة، ومن بينها علمُ الحديث، فهو إلى جانب كونه أصولياً كان محدثاً ناقدا، ويظهر ذلك من خلال نظرته للأحاديث التي يذكرها، فهو لا يكاد يَمرُّ بحديث إلا وخرَّجه مبيِّناً مخرجيه ومتحدِّثاً عليه صِحَّةً وضعفاً بما تقتضيه صناعة الحديث، وأحيانا كنت أراه يتكلَّمُ أيضاً على بعض رجاله مبيِّناً مدى وَثاقتهم أو ضعفهم على قواعد الجرح والتعديل.


(١) التاج السبكي، رفع الحاجب (٢/ ٤٤٨)
(٢) التاج السبكي، جمع الجوامع ص ١٢٥
(٣) جمع الجوامع ص ١٥١ - ١٥٢

<<  <   >  >>