للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١ - قوله بعد بيان عدم صحة تصرُّفات الصبي مطلقا: ((وفي المذهب فروعٌ تَرِدُ نقضاً على ذلك وكلُّها مختلف فيها، ومنها ما هو على وجه ضعيف، فمنها: قبول قوله في رواية هلال رمضان، ومنها: إذا أخبر الصبي المميز بنجاسة أحد الإنائين، فأصح الوجهين لا يقبل خبره، منها: إذا شهد صبيَّان بأنّ فلاناً قتل فلانا فهل يكون ذلك لوثا، فيه وجهان ... ومنها: صحَّةُ بيع الاختيار على وجه، ومنها وصيته ... وفيها قولان، ومنها تدبيره وفيه قولان، ومنها أمانه وفيه طريقان ... )) (١)

فكل هذه الفروع أتى بها التاج السبكي لبيان أن القول بأن تصرفات الصبي كلها باطلة منقوضة بمثل هذه الفروع، ففي هذه الأمثلة التي ذكرها كلها قولان: أحدهما يقضي بصحة هذه التصرفات وهو النقض على القاعدة والآخر يقضي ببطلان تصرفاته وهو مستقيم مع القاعدة.

٢ - وقوله في مسألة التفريق بين الفساد والبطلان بعد تبنِّيه عدم الفرق بينهما: ((وإنَّما يُعطى الخطبُ عند متفقهة الشافعية إذا مرَّت بهم فروع فرَّق فيها الأصحاب بين الباطل والفاسد، حيثُ يظنون بها مناقضتهم لأصلهم فلنسردها ثم نفصح عن سردها، فمنها:

الخلع والكتابة، الباطل فيهما ما كان على غير عوض مقصود كالميتة، أو رجع إلى خلل كالصغر والسفه، والفاسد خلافه، وحكمٌ الباطل أنه لا يترتب عليه شيء، والفاسد يترتب عليه العتق ... والطلاق ويرجع الزوج بالمهر والسيد بالقيمة ...

ومنها: الإجارة الفاسدة يجب بها أجرة المثل، وأما إذا استأجر – مثلا – صبيٌّ رجلاً بالغاً فعمل عملا لم يستحق شيئا لأنه هو الذي فوَّت على نفسه عمله، وتكون باطلة ... [ثم بيَّن عدمَ مناقضة هذه الفروع لقواعد الشافعية أصلا فقال]: واعلم أنَّا فرقنا في هذه الفروع – كما علمت – بيدَ أنا لم نَرُم مرام الحنفية، ولم نَنْحُ طريقتهم، لأنهم يُثبتون بيعاً فاسداً يترتب عليه مع القبض أحكام شرعية، ونحن لا نفعل (٢) ذلك، وإنما العقود لها صورةٌ لغةً وعرفاً من عاقد ومعقود عليه وصيغة ولها شروط شرعية، فإن وُجدت كلُّها فهو صحيح، وإن فُقد العاقد أو المعقود عليه أو الصيغة وما يقوم مقامها، فلا عقدَ البتة، وتسميتُه باطلاً مجاز، وإن وُجدت وقارنَها مفسدٌ من عدم شرط أو نحوه فهو فاسد، وعندنا هو باطل أيضا، ولكن يطلق عليه الفاسد لمشابهته للصحيح من جهة ترتُّب أثرٍ ما عليه من أجرةِ مثلٍ ... وغير ذلك، ولم نَنْفِ عنه الإبطال، وإنما سمَّيناه بالفاسد وسكتنا عن ذكر الباطل تَفْرِقةً بين ما يترتب عليه أثرٌ ما وما لا يترتب.)) (٣)

فهذه الأمثلة التي أوردها التاج السبكي تدلُّ ظاهراً على عدم التزام الشافعية بأصول مذهبهم، ذكرها التاج السبكي ليبيِّن عدمَ مناقضتها لأصول الشافعية وبيَّن مرادَهم فيها بالفاسد والباطل وأنه غير مقصود الحنفية في ذلك.


(١) التاج السبكي، الإبهاج (٢/ ٣١٢)
(٢) هذا هو الصواب، غير أن ما في أصل الكتاب نغفل، وقد أشار المحققان إلى وجود الصواب في نسخة أخرى، وهذا دأبهما في مثل هذه الأخطاء
(٣) التاج السبكي، رفع الحاجب (٢/ ١٩ – ٢٥)

<<  <   >  >>