للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثاني: القول بالوقف، وهو يحتمل أمرين: إما أن يكون مشتركا بين المرة والتكرار فيتوقف إعماله في أحدهما على قرينة، وإما: أنه لأحدهما ولا نعرفه فنتوقف لجهلنا بالواقع (١).

وهكذا شأن أغلب مباحث ((جمع الجوامع))، فإذا ما وجدته قد ابتدأ قولا ولم يصرِّح باختيارٍ يخالفه فاعلم أنّ هذا القول هو المعتمد لديه، والله تعالى أعلم.

ومن النوع الثاني: الذي يصرِّح باختيارٍ يخالف فيه ما ذكره أولاً قوله في حُجِّية الحديث المرسل: ((واحتج به أبو حنيفة ومالك والآمدي مطلقا، وقوم إن كان المرسل من أئمة النقل، [إلى أن قال:] والصحيح رده وعليه الأكثر منهم الشافعي والقاضي)) (٢).

ففي هذا المثال ترى أن التاج السبكي قد صرح باختياره في المسألة وهو مخالف لما بدأ به المسألة.

ثانياً: التصريح بذكر أرباب الأقوال وعدمه:

لقد بين لنا التاج السبكي في ختام ((جمع الجوامع)) منهجه في التصريح بأصحاب الأقوال ... وعدمه فقال: ((ولربما أفصحنا بذكر أرباب الأقوال فحسبه الغبي تطويلا يؤدي إلى الملال، وما درى أنّا إنّما فعلنا ذلك لغَرضٍ تُحرَّك له الهمم العوال، فربما لم يكن القولُ مشهوراً عمن ذكرناه، أو كان قد عزيَ إليه على الوهم سواه، أو غير ذلك مما يُظْهره التأمل لمن استعمل قواه)) (٣).

فمن هذا النص يُعلَم أن التاج السبكي يصرِّح بأصحاب الأقوال لفوائد منها:

١ - عدم شُهرة القول عن المصرِّح به.

٢ - أن يعزى إليه قولُ لا يقول به والتحقيق خلافه.

٣ - تقوية القول الغريب.

ومن الشواهد الدالة على ذلك:

١ - قوله في فرض الكفاية: ((وزَعمه الأستاذ وإمام الحرمين وأبوه أفضل من العين)) (٤).

فها هنا قد صرَّح التاج السبكي بالقائلين وهم الأستاذ أبو اسحق الإسفراييني، وإمام الحرمين الجويني وأبوه وقد بيَّن في ((منع الموانع)) السرَّ في ذلك فقال: ((له [التصريح بأسماء القائلين] فائدتان:

أحدهما: غرابةُ القول في نفسه، والغريبُ يتقوَّى بعزوه إلى قائله لا سيَّما إذا كان قائله إماماً معتبراً ككل أحد من هؤلاء.

والثانية: أنّه مشهور عن إمام الحرمين فقط، قال النووي في الروضة: ((والأكثر إنما عزوه إليه))، [قال التاج السبكي معقِّبا]: فأخذنا أنّ له سَلَفاً عظيماً وهو والده الشيخ أبو محمد والأستاذ أبو اسحق)) (٥).

٢ - قوله في مسألة التكليف بالمحال: ((ومنع أكثر المعتزلة والشيخ أبو حامد , الغزالي، وابن دقيق العيد ما ليس ممتنعاً لتعلُّق العلم بعدم وقوعه)) (٦)


(١) انظر: الزركشي، تشنيف المسامع (١/ ٣٠٧)
(٢) التاج السبكي، جمع الجوامع ص ١٦٣
(٣) التاج السبكي، جمع الجوامع ص ٢٠٣
(٤) التاج السبكي، جمع الجوامع ص ١٢٨
(٥) التاج السبكي، منع الموانع ص ٤٦٥ وما بعدها
(٦) التاج السبكي، جمع الجوامع ص ١٣٠

<<  <   >  >>