للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد سار التاج السبكي في أغلب مباحث ((جمع الجوامع)) على هذا النمط من الاختصار، إلا أني وجدته في بعض المسائل يخرج عن هذا الاختصار ويأتي بكل الأقوال الواردة في المسألة، فمن ذلك قوله في دلالة صيغة الأمر: ((والجمهور حقيقةٌ في الوجوب ... ، وقيل في الندب، وقال الماتريدي: للقدر المشترك بينهما، وقيل مشتركة فيهما وفي الإباحة، وقيل في الثلاثة والتهديد، وقال عبد الجبار: لإرادة الامتثال، وقال أبو بكر الأبهري: أمر الله تعالى للوجوب، وأمر النبي صلى الله عليه ... وسلم المبتدأ للندب، وقيل مشتركة بين الخمسة الأُوَل، وقيل بين الأحكام الخمسة، والمختار وفاقا للشيخ أبي حامد وإمام الحرمين: حقيقة في الطلب الجازم، فإن صَدَرَ من الشارع أوجب الفعل)) (١).

فأنت ترى أن التاج السبكي قد خرج في هذه المسألة عن الاختصار وذكر كل ما ورد فيها من الأقوال على النحو التالي:-

الأول: أنه حقيقة في الوجوب فقط وهو رأي الجمهور.

الثاني: أنه حقيقة في الندب.

الثالث: أنه للقدر المشترك بين الوجوب والندب وهو الطلب وهذا رأي الماتريدي.

الرابع: أنها مشتركة اشتراكا لفظيا بين الوجوب والندب.

الخامس: الوقف بمعنى أنه لا يُدرى أهي حقيقة في الوجوب أو الندب أم فيهما (٢)، وهو قول القاضي الباقلاني والغزالي والآمدي.

السادس: أنها مشتركة بين الوجوب والندب والإباحة.

السابع: أنها مشتركة بين الوجوب والندب والإباحة والتهديد.

الثامن: أنها حقيقة في إرادة الامتثال فقط وهو قول القاضي عبد الجبار من المعتزلة.

التاسع: التفصيل بين أمر الله تعالى فيكون للوجوب، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو للندب، وهذا رأي أبو بكر الأبهري.

العاشر: أنها مشتركة بين الوجوب والندب والإباحة والتهديد والإرشاد (٣).

الحادي عشر: أنها مشتركة بين الأحكام الخمسة وهي الوجوب والندب والإباحة والكراهة والتحريم.

الثاني عشر: أنها حقيقة في الطلب الجازم والوجوب مستفاد من خارج الصيغة.

وبهذا ترى أن التاج السبكي قد استوعب ذكر كل ما ورد في حقيقة صيغة '' إفعل '' ولعل مراده في ذلك التنبيه على تضعيف بعضها وتقوية الأخرى بنسبتها إلى قائليها وأنه لا مانع من الأخذ بها والله تعالى أعلم.

سادساً: الاقتصار على ذكر الأقوال الصحيحة فقط دون الضعيفة:

اتبع التاج السبكي في بعض الأحيان منهجا يتلخَّص في عرضه للأقوال الصحيحة فقط مُعْرضاً عن ذكر الأقوال الضعيفة، ومن ذلك قوله في البيان: ((وإنما يجب لمن أريد فهمه اتفاقا، والأصح أنه قد يكون بالفعل وأن المظنونَ يبين المعلوم، وأنَّ المتقدمَ وإن جهلنا عينه من القول أو الفعل هو ... البيان)) (٤).

ففي هذا النص عرضَ التاج السبكي للأقوال التي رآها صحيحة وأعرضَ عن ذكره لمقابلها من الأقوال لضعفها.

فقوله: '' أنه قد يكون بالفعل '' هذا هو الصحيح وفي المسألة قول مفاده أنَّ البيان لا يكون إلا بالقول ولا يصح بالفعل (٥).


(١) التاج السبكي، جمع الجوامع ص ١٤٢ - -١٤٣
(٢) انظر: الجلال المحلي، شرح جمع الجوامع (١/ ٤٧٥)
(٣) انظر: المصدر السابق (١/ ٤٧٦)
(٤) التاج السبكي، جمع الجوامع ص ١٥٣
(٥) انظر: الزركشي، تشنيف المسامع (١/ ٤٢٢)

<<  <   >  >>