للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: هم وإن وافقوهم في الحكم، فالمأخذ مختلف، وذلك أنّ مأخذَ القدرية أن الآمر يريدُ وقوع المأمور به، والجمعُ بين علمه تعالى بأنه لا يقع وإرادته وقوعه تناقض، والإمام بريء من هذا المأخذ، وإنما تصوُّر أنّ الطلبَ في نفسه لا يتحقَّق مع علم الطالب أنّ المطلوبَ بأمره مستحيل.)) (١)

المبحث السادس

ذكر الأدلة والشواهد

التاج السبكي في شرحيه على ((المنهاج)) و ((المختصر)) كان مقرِّرا وشارحا للأدلة التي ذكرها البيضاوي وابن الحاجب، فهو كان يُبيِّنُ وجه الدلالة من الأدلة المذكورة وكيفية الاستدلال بها، ومن ثم يعقِّب عليها إما بذكر إيرادات عليها وردها، أو التسليم بها دون رد أو تعقيب، وقد مر معنا في المطالب السابقة أمثلة على ذلك، وشروحه مشحونة بأمثلتها، وما يهمُّنا هنا هو الأدلة التي كان يعرضها التاج السبكي نفسه والتي لم يتعرض لها البيضاوي وابن الحاجب.

أولاً: ذكر الأدلة والشواهد من القرآن ثم السنة ثم كلام العرب في شرحيه على ((المنهاج)) و ((المختصر)):

كان التاج السبكي إذا ذكر دليلا فإما أن يكون هذا الدليل من القرآن فقط أو من السُنَّة أو من كلام العرب وشعرهم، وإما أن يجمعها كلها.

فمن المواضع التي جمعها كلها قوله مستدلاً على مجيء في للسببية في كتابه ((الإبهاج)): ... ((والثاني: أن ذلك شائع ذائع في لسان العرب وفي القرآن والسنة وشعر العرب، أما القرآن ففي قوله تعالى: {لمسَّكُم فيما أفَضْتُم} (٢) [أي: بسبب ما أفضتم]، و {لمَسَّكم فيما أخَذْتم} (٣)، وأما السنة فالحديث الذي أورده [أي الإمام الرازي وهو: {في النفس المؤمنة مئة من الإبل} (٤)]، وما رويَ أيضا من قوله صلى الله عليه وسلم {دخلت امرأة النار في هرة} (٥)، وأما العرب فقال الشاعر:

بكرّتُ باللوم تلحانا ... في بعير ضل أوجانا)) (٦)

فكل هذه الأدلة ساقها التاج السبكي لبيان ورود في للسببية، والتمثيل بها واضح.

ومن المواضع التي استدل بها بالقرآن قوله استدلالا على تكليف الكفار بالفروع: ((ومن الدلائل الواضحة على أن الكافر مكلف بالفروع مطلقا، ولم أر من ذكره، قوله تعالى: {الذين كَفرُوا وصَدُّوا عن سبيلِ الله زِدْناهُم عَذاباً فوقَ العذابِ بِما كانوا يُفْسِدون} (٧) إذ لا يَمْتري الفهم في أنّ زيادةَ هذا العذاب إنما هو بالإفساد الذي هو قَدْرٌ زائدٌ على الكفر.)) (٨)

ومنها قوله مستدلا على كون النقض قادحٌ مطلقاً في كتابه ((رفع الحاجب)): ((وسابعها: قوله تعالى: {وَلَوْ كان مِنْ عند غَيرِ الله لَوجدوا فيه اختلافاً كثيرا} (٩) قال علماؤُنا: والنقضُ من الاختلاف، فدلَّت المناقضة على أنّ الدليلَ ليس من عند الله، وما لا يكون من عند الله لا يحتج به.


(١) التاج السبكي، رفع الحاجب (٢/ ٣٤)
(٢) سورة النور آية ١٤
(٣) سورة الأنفال آية ٦٨
(٤) رواه البيهقي في السنن الكبرى (٨/ ١٠٠)
(٥) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق باب خمس من الدواب يقتلن في الحرم رقم ٣٠٧١ ومسلم في كتاب التوبة برقم ٦٩١٥
(٦) التاج السبكي، الإبهاج (١/ ٢٤٨ - ٢٩٤)
(٧) سورة النحل آية ٨٨
(٨) التاج السبكي، الإبهاج (١/ ١٨٥)
(٩) سورة النساء آية ٨٢

<<  <   >  >>