للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٠٢ علم الكلام: إنّ من يطالع مصنفات التاج السبكي، لَيَرى واضحاً اهتمامه بعلم الكلام، فهو مُتكلِّم على طريقة الأشاعرة من أهل السنة، وكتبه زاخِرةٌ بمسائل هذا الفن الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بعلم الأصول الذي كان التاج فيه إمام زمانه، فهو يذَكْرُ المسألة الكلامية مبيّناً ما فيها من مذاهب معقّباً على كل مذهب بما يستحق مع بيان الحق في كل ذلك، وليس أدل على ذلك من أنّه قد ترك لنا مصنفات خاصة بعلم الكلام، وأما كتابه الطبقات فهو مليءٌ وغنيٌّ بمسائل هذا الفن (١).

٠٣ علم المنطق: وأما المنطق فلم يُهمِلهُ التاج قَط، بل له فيه باعٌ طويل، يَظهَرٌ ذلك جليّاً من مطالعتي لشرحه على ((مختصر ابن الحاجب))، حيث ضمّن ابن الحاجب ((مختصره)) بمقدمة منطقية على طريقة الإمام الغزالي وبعض الأصوليين، وترى في شرح التاج له مَقدَرةً وبراعةً في هذا العلم مما يَعدُّه من كبار علماء المنطق (٢).

٠٤ أصول الفقه: وإذا ما جئنا إلى هذا العلم، فقد بلغ به التاج عَنانَ السماء، وخضعت له رقاب العلماء، وفاق كل أقرانه بل فاق أكثَر العلماء، لقد أعطى التاجُ الأصولَ جُلَّ عنايته وعظيم اهتمامه، فتارةً يُدرّسه وأخرى يُؤلّف فيه، ويَستدرِك على من سبقه، ويُناقش من عارضه، وتارةً يقرّر عبارة سابقيه، مقيداً ما أطلقوه ومفسراً لما أجملوه، ومكمّلاً لما قد أغفلوه، وله في هذا الفن قدم راسخة، فهو ينظر إلى الأصول بنظر الناقد البصير، يوضّح مشكلاته، ويحلّ غوامضه، ويجمع شتاته، حتى عُدّتْ مؤلفاته مائدة زاخرة بكل ما لذ وطاب من هذا الفن.

وليس أدلُّ على اهتمامه بهذا العلم من تركه ثمانيةَ مصنفات في علم الأصول، قلّما تجد لعالمٍ في فنّ الأصول قد ترك لنا هذا القدر من المصنفات.

٠٥ القواعد الفقهية: اهتم التاج بهذا العلم اهتماماً بالغاً، وله فيه مصنف زاخر يعدّ من أهم المصنفات في الأشباه والنظائر، فقد خرج فيه الفروع على الأصول وجمع شتات هذه الفروع في قواعد عامّة تنتظمها، فأجاد فيه وأجاد.

٠٦ الفقه: يعدّ التاج السبكي فقيهاً متمكناً وناقداً بصيراً، ولا غرابة في ذلك، فقد تربّى في أحضان والده إمامِ الدنيا في عصره، فنهل من علمه واستقى من معارفه، وكتبُه مشحونةٌ بالفتاوى والمسائل المنقولة عنه، وقد جمع قتاوى والده، واختياراته الفقهية في مصنفات خاصّة.

وفي كتابه الطبقات يُكثِر من ذِكْر المسائل الفقهية المروية عن الشخصية المترجَم لها وغالباً ما يعقّب عليها، ويختار ما يراه الأصوب منها.

٠٧ التاريخ: وأما التاريخ فحدّث ولا حرج، لقد برع التاج فيه براعة لا مثيل لها، وكان ذو اطّلاع واسع على أخبار الماضين، وأحوال السابقين، وقد أسهم التاج في هذا المجال إسهاماً عظيماً، يُثبتُ أنّه مؤرخ لا نظير له، وتعدّ مؤلفاته في الطبقات من أعظم ما دوّن في هذا المجال، إذ يستوعب فيها جوانب الشخصية المترجَم لها، ويأتي بالعجب العجاب من قصص وغرائب لهذه الشخصيات، قلّما تجده عند غيره من كُتّاب الطبقات.


(١) سيأتي الحديث عن مصنفات التاج في علم الكلام في المبحث القادم
(٢) انظر في ذلك شرح التاج السبكي على مختصر ابن الحاجب (١/ ٢٥٦ - ٣٤٩)

<<  <   >  >>