للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كل هذه الأمور مُجتَمعةً والمتمثّلة بضعف السلاطين، وتنافسهم على العرش، وإغراق بعضهم في المجون وانغماسهم في التَّرف، إضافة إلى ازدياد نفوذ أمراء المماليك، كل هذه العوامل أدت إلى انحلال أسرة قلاوون، وإنهاء حكم بني قلاوون الذي استمر حوالي ١٠٦ سنوات من سنة ٦٧٨ - ٧٨٤هـ، وبنهاية أسرة قلاوون ينتهي عهد المماليك البحرية ويبدأ عهد المماليك الجراكسة [البرجية] سنة ٧٨٤هـ (١).

هذه هي الأحوال العامّة في مصر، أما في الشام والتي عاش فيها التاج السبكي جُلّ حياته، فلم يكن الحال فيها بأحسن من حال مصر الأم، حيث كانت الشام تابعة للسلطنة في مصر في مختلف نواحي الحياة، ورَغمَ تبعية الشام المحضة لمركز السلطنة إلا أنّه وُجِدت بعض محاولات الانفصال عن مصر، غير أنّ التقسيم الإداري لبلاد الشام بحيث تكون كل نيابة شبه مستقلة، والسلطان يختار من يملأ المناصب الكبرى، ومن ثم حاجة الشام إلى العسكر المصري ضد الأخطار الخارجية حال دون نجاح أية حركة انفصالية رغم كثرة ثورات المماليك هناك (٢).

إلا أنّ هناك مِيزة لأهل الشام تَميَّزوا بها عن أهل مصر ذلك أنّ أهل الشام كانوا أسرع إلى مواجهة أوامر الدولة بالإنكار من أهل مصر، وكانوا يتعلقون بكل سبب لإظهار عدم رضاهم عن بعض تصرفات الموظفين والمباشرين (٣).

يمكن تلخيص الملامح العامّة للوضع السياسي في مصر والشام في القرن الثامن الهجري بما يأتي (٤):

١ - صغر سن السلاطين الذين تعاقبوا على الحكم.

٢ - ازدياد نفوذ الأمراء واشتداد سطوتهم وتَحَكُّمهم في مصالح البلاد وتلاعبهم بالسلاطين، بالتعيين والعزل والقتل وفقاً لأهوائهم.

٣ - ازدياد نفوذ طائفة المماليك الجراكسة [البرجية] ازدياداً مضطرداً، فاستطاع أفرادها كسب الجولة الأخيرة من الصراع، وأسسوا دولة مملوكية ثانية على أنقاض الدولة المملوكية الأولى.

٤ - اشتداد الانحلال الخلقي بشكل واضح، وكان السلاطين والأمراء هم مصدر هذا البلاء، فاشتهروا بالإدمان على الخمور ومعاشرة الجواري والخاصكية والمغنيات.


(١) محمود شاكر، التاريخ الإسلامي (٧/ ٣٨)، سرور، دولة بني قلاوون في مصر ص ٥٥ - ٦٦، علي حسن، تاريخ المماليك البحرية ص ١٣٥
(٢) إحسان عباس، تاريخ بلاد الشام ص ٧٦، وانظر بعض محاولات الانفصال عن مصر في: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (١٠/ ١٨٣)، ... (١١/ ٤)
(٣) إحسان عباس ص ٨٠
(٤) طقوش، تاريخ المماليك ص ٣٠٠

<<  <   >  >>