للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه أهم الميزات التي امتاز بها ((جمع الجوامع))، ومع ذلك فقد وُجِّه إليه الكثير من النقد ... والاعتراض عليه؛ قديماً وحديثاً، حتى في عصر المؤلف نفسه، حيث وُجِّهت إليه بعض الإيرادات مما دعاه إلى الإجابة عليها في مصنف خاص سماه ((منع الموانع عن جمع الجوامع))، حل فيه كثيراً من الإشكالات التي وُجِّهت إليه، وأزال الغموض عن كثير من العبارات التي خفي معناها على البعض، ومن هنا فإنّي أقول: إنّه لا بد من الاستعانة ((بمنع الموانع)) في قراءة وفهم ((جمع الجوامع)) إذ هو كالمكمّل والتتمّة له.

وأقول بالنسبة لما وُجِّه إلى ((جمع الجوامع)) من اعتراضات؛ أنّ التاج السبكي لم يجزم بنفي الخطأ والوهم عن كتابه هذا فهو يقول عنه: ((وقد دار على ألسنة الناس، وصار في كل محفل كمضغة تلوكها الأشداق، وتَتَردَّدُ تَرَدُّدَ الأنفاس، وطار بناؤه، وأنا أنادي ’’ما في وقوفك ساعة من باس‘‘، ولست أدعي أنّه جمع سلامة، ولا أُبَرِّيه كلما تَوجَّهت نحوه الملاءه، ولا أتعصَّبُ له، فبئست الخصلة إذا قُلتُ لكلّ من اعترضه في الملامة كَلا.

ولا أبيعهُ بشرط البراءة من كل عيب؛ بل أقول: يؤخذ من قوله ويترك، والله العليم بالغيب، ويُنظَر فيه مع تجويز اعتراض الشك له والريب)) (١).

وقد تصدّى غير واحد من العلماء للدفاع عن ((جمع الجوامع)) ورد الاعتراضات والإشكالات الواردة عليه، ومن أبرزهم في ذلك الإمام العلامة ابن قاسم العبادي (٢)، الذي ألف كتاباً ضخماَ أسماه ((الآيات البينات على اندفاع أو فساد ما وَقفتُ عليه مما أُورِد على جمع الجوامع وشرحه للمحقق المحلي من اعتراضات)) (٣).

وبيّن ابن قاسم الدافع لهذا المصنَّف قائلا: ((حملني عليه أنّي لما رأيت جمعاً من شيوخنا ... وغيرهم قد ألِفوا التحامل عليهما [أي التاج السبكي والجلال المحلي]، وإضافة ما لا يليق ببعض الطلاب إليهما، وأوردوا أنواع الاعتراضات، وبالغوا بصنوف التشنيعات مما هو في الأغلب كسرابٍ بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً)) (٤)

هذا وقد وضّح ابن قاسم أنّ المعترضين على ((جمع الجوامع)) وشرحه للمحلي لا يَخرُج الدافع لهم عن ثلاثة أسباب هي (٥):-

الأول: ما يرجع حاصله إلى مجرد المناقشات اللفظية التي اشتُهِر أنّها ليست من دأب المحصلين.

ثانيها: ما لا منشأ له إلا الأغلاط الفاحشة والأوهام الساقطة.


(١) التاج السبكي، منع الموانع ص ٨٥ - ٨٧
(٢) هو الإمام العلامة الحبر الفهامة صاحب الحواشي المشهورة شهاب الدين احمد بن قاسم العبادي القاهري المصري، أوحد زمانه وفاق جميع أقرانه وساد عليهم، توفي سنة ٩٩٤هـ، من مصنفاته: حاشية على شرح الورقات، وحاشية على مختصر في المعاني والبيان. انظر ترجمته في: ابن العماد، شذرات الذهب (٨/ ٥٥٠)
(٣) والكتاب مطبوع في أربعة مجلدات ضخام
(٤) ابن قاسم، الآيات البينات (١/ ٥)
(٥) المصدر السابق (١/ ٦)

<<  <   >  >>