للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال الشارح: " هذا هو القسم الثاني من قسمي التوكيد، وهو التوكيد اللفظي، وهو تكرار اللفظ الأول بعينه اعتناءً به " (ادْرُجِي ادْرُجِي) وكقوله: (أَتَاكِ أَتَاكِ اللاَّحِقُونَ احْبِسِ احْبِسِ) وهذا مشهور.

والأكثر في التوكيد اللفظي أن يكون في الجمل، هذا الأكثر، وأمَّا المفردات فهذا قليل، سواءً كان فعلاً، أو حرفاً، أو اسماً، وكثيراً ما يقترن بعاطفٍ إذا كان جملة، يعني: يُعد بعاطف: ((كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)) [النبأ: ٤ - ٥] الثانية توكيدٌ للأولى، والعاطف يكون ثَم على جهة الخصوص.

وجعل الرضي الفاء مثل ثُم، بمعنى: أنه يُعطف الجمل المؤكدة بعضها لبعض، سواءً كانت اثنتين أو ثلاث، أن يعطف بثُم، وألحق بها الرضي الفاء، ومنه: ((أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)) [القيامة: ٣٤ - ٣٥] اجتمع فيها حرفان.

ويأتي بدون عاطف، حديث: {وَاللَّهِ لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا} ثلاث مرات، يعني: أعادها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات: {لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا} وهذا قد يرجِّح بأن التوكيد ثلاث لا اثنين، ولذلك يأتي في الأحاديث: ثلاثاً .. ثلاثاً كثير، هذا يدل على ماذا؟

أولاً: على أن التأكيد لا يزيد على الثلاث، ولم يرد أربعاً.

ثانياً: ترجيح القول بأنه مثلث دون أن يكون مثنى، لأن بعضهم يرى أن التكرار مرتين فحسب، أمَّا الثالثة فلا، نقول: وروده في الأحاديث كثيرة ثلاثاً .. ثلاثاً يدل على أن التوكيد يكون بالثلاث.

والمراد بعاطفٍ: صورةً، لأن بين الجملتين تمام الاتصال، إذا قيل: ((كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)) [النبأ: ٤ - ٥] الثانية توكيدٌ للأولى، طيب! العاطف هذا ما دوره؟ لو كان حقيقةً لكان من باب عطف النسق، عطف جملة على جملة، لو كان حقيقةً لخرج عن باب التوكيد فصار من عطف النسق، حينئذٍ لما لم يكن من عطف النسق ونحن جعلناه توكيداً، ثم عطفنا بحرف عطف لا بد أن نجعل هذا الحرف صورةً فحسب، يعني: لا وجود له من حيث المعنى، وعند البيانيين: أن الجملة الثانية إذا كانت عين الأولى لا يفصل بينهما بعاطف، إذا كانت هي عين الأولى حينئذٍ يكون بينهما تمام الاتصال .. متصلة بها .. هي عينها، فالأصل فيه أنها لا يعطف، فالفصل خلاف الفصيح، إذاً: لا بد أن نجعل أن هذا العاطف صورةً لا معنى له. والمراد بعاطفٍ صورةً لأن بين الجملتين تمام الاتصال، فلا تعطف الثانية على الأولى حقيقةً، ولأن حرف العطف لو كان عاطفاً حقيقةً كان تبعية ما بعده لما قبله بالعطف لا الترتيب، صحيح هذا.