للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا إذا قال شاعر: يا جبال .. يا سماء .. يا شمس .. يا أرض، من المعاني المجازية، فحينئذٍ نقول: نَزَّلَ غير العاقل مُنَزَّلةَ العاقل فخاطبه، لأن الإنسان يخاطب من .. إذا ناديت شخص: يا جدار تعال .. أقبل؟ مجنون هذا! لكن إذا خاطب من أجل معانٍ معينة في الشعر: الجبال والشمس ونحو ذلك، حينئذٍ نقول: عَامَلَ هذه الجمادات معاملة من يعقل، وأمَّا الرب جل وعلا فلا ندخل كل مسائل تأتي في النحو أو في غيرها لا بُدَّ من تعاريف عامة ونحو ذلك لا، نُجِّلُه عن مثل هذه المسائل نقول: لا، ((يَا جِبَالُ)) [سبأ:١٠] حقيقةً، ((يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ)) [هود:٤٤] حقيقةً، ولا نقول: هذا مجاز.

وإنما يُنَادى المُمَيِّز، فأمَّا نحو: ((يَا جِبَالُ)) [سبأ:١٠] و ((يَا أَرْضُ)) [هود:٤٤] فقيل: إنه من باب المجاز، وهذا غلط ليس من باب المجاز بل هو حقيقةً، وأمَّا في شأن البشر فلا إشكال أن يُقال بأنه مجاز.

ثُمَّ قال رحمه الله:

وَغَيرُ مَنْدُوبٍ وَمُضْمَرٍ وَمَا ... جَا مُسْتَغَاثَاً قَدْ يُعَرَّى فَاعْلَمَا

وَذَاكَ فِي اسْمِ الجِنْسِ وَالمُشَارِ لَهْ ... قَلَّ وَمَنْ يَمْنَعْهُ فَانْصُرْ عَاذِلَهْ

وَغَيرُ مَنْدُوبٍ وَمُضْمَرٍ وَمَا ... جَا مُسْتَغَاثَاً قَدْ يُعَرَّى ..

يُعَرَّى يعني: يُجَرَّد من حروف النداء لفظاً، يعني: يجوز حذف حرف النداء، وهذا له ثلاثة أقسام .. مُنَادى، على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: قسمٌ يمتنع معه حذف حرف النداء، لا يجوز أن يُحذفَ البتة.

وقسمٌ يجوز على قلةٍ .. يقل.

وقسمٌ يجوز.

إذاً: هل يجوز حذف حرف النداء ويُقال: مُنَادى كما هو؟ نقول: هذا فيه تفصيل، لأن المُنَادى باعتبار حذف حرف النداء وعدمه ثلاثة أقسام:

قسمٌ يمتنع أن يُحذف معه حرفُ النداء .. ممنوع لا يجوز.

وقسمٌ يجوز على قلةٍ يقل.

وقسمٌ: جائزٌ مطلقاً.

أشار إلى الأول: الذي هو يمتنع معه الحذف، وما يجوز بقوله: (وَغَيرُ مَنْدُوبٍ)، إذاً: هذين البيتين أشار بهما إلى ما يمتنع وما يجوز .. البيت الأول.

(وغَيرُ مَنْدُوبٍ وَمُضْمَرٍ وَمَا ... جَا مُسْتَغَاثَاً) هذه الثلاث المذكورات: المندوب، والضمير، والمُستغاث إذا نُوديت يمتنع حذف حرف النداء معها، غيرها يجوزُ، غير المذكور، إذاً دَلَّ على القسم الأول بالمنطوق أو بالمفهوم؟ ما يمتنع حذف حرف النداء معه، أشار إليه بقوله: (وَغَيرُ مَنْدُوبٍ) هل هو بالمنطوق أو بالمفهوم؟ بالمفهوم.

وأمَّا ما يجوز مُطلقاً فدَلَّ عليه بالمنطوق: (وَغَيرُ مَنْدُوبٍ قَدْ يُعَرَّى)، قد: هنا للتقليل، (يُعَرَّى) يعني: يُجَرَّد، يُعَرَّى من حرفٍ، أو من أحرف النداء لفظاً، (غَيرُ) مبتدأ وهو مضاف، و (مَنْدُوبٍ) مضافٌ إليه، (وَمُضْمَرٍ) معطوفٌ على مندوب.

(وَمَا جَا) إمَّا بالقصر ضرورةً وإمَّا لغة، لأنه يقال: جَا يَجِي وجاءَ يَجِيءُ، جَا يَجِي بدون همز، وجاءَ يَجِيءُ، هنا نقول: لغة، وإن كان أكثر الشُرَّاح على أنه قصره للضرورة.