للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَبَعْضُهُمْ أَهْمَلَ أَنْ حَمْلاً عَلَى مَا) المَصدريَّة أُخْتِهَا، (حَيْثُ) هذا مُتعلِّق بـ: (أَهْمَلَ) أهمل (أنْ) (حَيْثُ اسْتَحَقَّتْ عَمَلاَ) متى تَسَتحِق العمل؟ إذا لم يسبقها علمٌ ولا ظن، ولذلك قلنا: البيت هنا يعني به: (أنْ) المَصدريَّة المتَعيِّن فيها العمل، وأمَّا التي يجوز فيها الوجهان فلا، (حَيْثُ) هذا مُتعلِّق بقوله: (أَهْمَلَ) انظر التَّعلُّق هنا يَختلف به المعنى.

وَبَعْضُهُمْ أَهْمَلَ أنْ حيث استَحَقَّت عملاً واجباً، وذلك إذا لم يَتقدَّمها علمٌ أو ظن، هذا مذهب البصريين: أنَّ (أنْ) قد لا تعمل حملاً على (مَا) وأمَّا الكوفيون فهي عندهم مُخفَّفة من الثَّقيلة، يعني: إذا جاء مثل .. هو أوردوا المثال قوله: ((لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)) [البقرة:٢٣٣] (يُتِمَّ) بقراءة ابن مُحيصن: (أنْ يُتِمُّ) إذاً: على مذهب البصريين (أنْ) مهملة حملاً على (مَا) وعلى مذهب الكوفيين لا يُجوز إهمال (أنْ)، وإنما تُجعل مُخفَّفَة من الثَّقيلة: أنْه يُتِمُّ، حينئذٍ وقع في شذوذ وهو الفاصل، لم يفْصِل بين (أنْ) والفعل، والأصل أنَّه لا بُدَّ من الفاصل .. يتَعيَّن.

ولذلك قنا: إذا جعلنا (أنْ) مُخفَّفَة من الثقيلة وجب فيها أمران: الرَّفْع والفَاصِل لا بُدَّ منهما، إلا على القول بأنَّه .. ؟؟؟ فالأحسن الفصل، ليس بواجب وإنما هو مُستَحْسَن، وعليه لا شذوذ.

وعلى هذا ورد قول الشَّاعر:

أَنْ تَقْرَآنِ على أَسْماءَ وَيْحَكُما ... مِنِّي السَّلامَ وأَنْ لاَ تُشْعِرَا أَحَدَا

لا تُخبِر أحدا .. (أَنْ تَقْرَآنِ على أَسْماءَ وَيْحَكُما) (تَقْرَآنِ) مُثنَّى و (أنْ) هذه مَصدريَّة هذا الأصل، لأنه لم يسبقها عِلمٌ ولا ظن، فتَعيَّن أنَّها مَصدريَّة، قد يقول قائل: هي مُخفَّفَة من الثَّقيلة، نقول: المُخفَّفَة الثَّقيلة ما تأتي في أول الكلام، لا بُدَّ أن يسبقها شيء، ثُم ضابطها إذا أردنا أنْ نَجْعل الأمر مُحتملاً بين اثنين رفع ونصب، حينئذٍ لا بُدَّ أن يَتقدَّمها ظنٌ، هنا لم يَتقدَّم عليها الظن، حينئذٍ نقول: (أنْ) هنا مَصدريَّة على مذهب البصريين.

و (تَقْرَآنِ) هذا مرفوع ورفعه ثبوت النون، و (أنْ) هنا مُهْمَلة لم تعمل النَّصْب.

والإشكال هنا أنَّه أعملها في آخر البيت: (وَأَنْ لاَ تُشْعِرا أَحَدَا) أعْمَلَ (أنْ) في الأخير وأهملها في الأول، والشاعر إذا جمع بين لغتين فإمَّا البيت مطعونٌ فيه، وإمَّا الحكم بالشذوذ، ولذلك مذهب الكوفيين أقرب هنا: أن يُقال لا بُدَّ من التأويل أو يُحكم بكونه شاذَّاً.

إذاً: مذهب البصريين: أنَّه يجوز إهمال (أنْ) المَصدريَّة حَمْلاً عَلَى مَا، وظاهر كلام النَّاظِم أنَّه مقيس، يعني: ليس الحكم في المسموع فحسب: (أنْ يُتِمُّ) و (أَنْ تَقْرَآنِ) ما سُمِع نوجهه بأنَّ: (أنْ) مهملة هنا ولم تعمل النَّصب لا، قال:

وَبَعْضُهُمْ أَهْمَلَ أَنْ حَمْلاً عَلَى ... مَا أُخْتِهَا حَيْثُ اسْتَحَقَّتْ عَمَلاَ

ولم يذكره إلا من باب التَّقعِيد والتَّأصيل، ولذلك نقول: ظاهر النَّظم هنا: أنَّ إهمالها مقيس.