للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إذاً: (حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ) نقول: هنا تعيَّن إذا أُوِّل بالحال باعتبار من قُصَّ عليه تعيَّن الرفع ولا نقول: يجوز، لأنَّنا لو قلنا: يجوز الرَّفع معناه: لا يمتنع النصب، والحال نفس الحال، باعتبار من قُصَّ عليه هل يصح أن يقال: (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ)؟! نقول: هذا مُؤَوَّلٌ بالحال، فكيف نقول: يجوز فيه الرفع ولا يمتنع النصب فننصب، ولا يكون الفعل بعد (حَتَّى) مستقبلاً؟ نقول هذا ليس بصحيح، بل الصواب: أنَّه إذا أُوِّلَ بالحال وجب الرفع، كما أنَّه إذا كان للحال حقيقةً وجب الرفع، فيَتعيَّن النصب فيما إذا كان مستقبلاً، وأمَّا أن نقول: يجوز الوجهان فيما إذا أُوِّل بالحال فالصواب: لا.

وأمَّا الآية فالنصب واجب والرفع واجب، الرفع واجب: (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) نقول: (حَتَّى يَقُولَ .. حَتَّى يَقُولُ) كُلٌّ منهما واجب، لأنَّ النصب فاعتبار ما قبله، القول مستقبل بالنسبة للزِّلزال فتعيَّن النصب، وأمَّا الرفع فهذا على تأويل بِمن قُصَّ عليه، إذاً: لا يجتمعان على محلٍ واحدٍ.

إذاً الأول: أن يكون حالاً حقيقةً أو مُؤَوَّلاً بالحال، حقيقةً متَّفقٌ على وجوبه، وَمُؤَوَّلاً بالحال اشتهر أنَّه جائز الرفع لا واجب، والصواب: أنَّه كالأول.

الشرط الثاني في ارتفاع الفعل بعد (حَتَّى): أن يكون مُسبَّباً عمَّا قبلها، فيمتنع الرَّفع في نحو: لأَسِيرنَّ حَتَّى تطلُعَ الشمس، الرَّفع هنا يمتنع: لأَسِيرنَّ حَتَّى تطلُعَ الشمس، يعني: إلى أن تطلُعَ الشمس، هل ما قبل طلوع الشمس سببٌ فيما بعد (حَتَّى)؟ لأَسِيرنَّ حَتَّى تطلع الشمس .. لأَسِيرنَّ إلى أن تطلع الشمس، هل السير عِلَّة في طلوع الشمس؟ ليس عِلَّةً، إذاً: ليس ما بعدها مُسَبَّبَاً عمَّا قبلها، هل يصح الرفع في مثل هذا؟ لا يصح، لأنَّه يُشْتَرط في الرفع: أن يكون الفعل المرفوع مُسَبَّباً عما قبل (حَتَّى) وهنا يمتنع، المشي والسير لا يكون سبباً في طلوع الشمس، طلوع الشمس مُنفك عن أفعال العباد، حينئذٍ مشى .. سار أو لم يسر فالشمس طالعةٌ طالعة وغائبةٌ غائبة، فلا أثر للفعل أبداً.

لأسيرنَّ حَتَّى تطلع الشمس، وما سرت حَتَّى أدخلها، وأَسِرْتَ حَتَّى تدخلَها؟ (أَسِرْتَ) استفهام تقريري ليس حقيقي، أمَّا الأول فيمتنع لأنَّ طلوع الشمس لا يَتسبَّب عن السير، وأمَّا الثاني: وما سرت حَتَّى أدخلها، فلأن الدخول لا يَتسبَّبُ عن عدم السير، ما سرتُ حتى أدخلَها، هل عدم السير سببٌ للدُّخول؟ ليس سبباً، إذاً: يِمتنع الرفع.

وأمَّا الثالث: أَسِرْتَ حَتَّى تدخلَها، يمتنع الرفع فلأن السَّبب لم يتحقَّق.

إذاً: في هذه المُثُل الثلاث يمتنع فيها الرفع لانتفاء الشرط وهو: أن يكون ما قبل (حَتَّى) سبباً لِمَا بعدها، وما بعدها مسبَّبٌ لِمَا قبلها.

الثالث: أن يكون ما قبلها تامَّاً، يعني: لا مرتبطاً بما بعدها، يعني: جملة تامة .. أن يتمَّ ما قبلها، أن يكون الفعل بعدها فَضْلَة، وهذا لا يكون إلا إذا تَمَّ ما قبلها.