للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والتقدير في نحو: ما تأتينا فتُحدِّثنا .. فأنْ تحدثنا (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل المصدر، كيف تكون عاطفة؟ التقدير: ما يكون منك إِتْيَانٌ فتحديثٌ، عطفنا (تحديث) وهو مصدر في قوة الملفوظ، والأول متوهَّم مأخوذٌ من الجملة السابقة.

قال الشَّارح هنا: يعني: أنَّ (أنْ) تنصب وهي واجبة الحذف الفعل المضارع بعد الفاء المُجاب بها نفيٌ محضٌ، أو طلبٌ محضٌ – انظر! فكَّ النَّعت- فمِثال النفي: ما تأتينا فتحدثنا، وقد قال تعالى: ((لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا)) [فاطر:٣٦] ومعنى كون النفي مَحضاً: أن يكون خَالصاً من معنى الإثبات، فإن لم يكن خالصاً منه وجب رفع ما بعد الفاء نَحو: ما أنت إلا تأتينا فتحدثُنا، ومثال الطَّلب وهو يشمل الأمر .. وهذه قد ذكرناها في الأمثلة التي مرَّت معنا.

لو كان المتقدِّم نفياً أو خبراً حينئذٍ نقول: ما تأتينا تحدِّثُنا، برفع (تحدِّثُنا) وجوباً، ولا يجوز فيه كما سيأتي النصب فيما إذا سَقَطَت الفاء.

هنا قال في الأخير: ومعنى أن يكون الطَّلب مَحضاً: ألا يكون مدلولٌ عليه باسم فعلٍ، ولا بلفظ الخبر، فإن كان مدلولٌ عليه بأحد هذين المذكورين وجب رفع ما بعد الفاء: صه فأحسن إليك، وحسبك الحديث فينام الناس.

(وَالوَاوُ كَالْفَا) في ماذا؟ يعني: كل ما سبق الواو مثل الفاء، في ماذا؟ يُنْصَب الفعل المضارع بعدها بـ (أَنْ) مضمرةً وجوباً، وأن تكون في جواب نفي محض أو طلبٍ محض، والمراد بالطَّلب: الأمور السَّبَع أو الثَّمان.

مُرْ وَانْهَ وَادْعُ وَسَلْ وَاعْرِضْ لِحَضِّهِمُ ... تَمَنَّ وَارْجُ كَذَاكَ النَّفْيُ قَدْ كَمُلاَ

(إِنْ تُفِدْ مَفْهُومَ مَعْ) هذا قيد زائد، يعني: إن كانت للمعيَّة .. مفيدةً للمصاحبة، إذاً: (الْوَاوُ) هذا مبتدأ (كَالْفَا) أيُّ فاء؟ فاء السَّببيَّة، إذاً: (أل) هنا للعهد، أي: في جميع ما تَقدَّم، (كَالفَا) جار مجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر المبتدأ، (إِنْ تُفِدْ) هذا قيد، إذاً: ليس مُطلقاً (الْوَاوُ كَالْفَا) زاد عليها شرطاً وهو: (إِنْ تُفِدْ مَفْهُومَ مَعْ) يعني: معنى المصاحبة.

مفهوم المخالفة: إن لم تُفِد مفهوم (مع) لا تنصب، نَحو: لا تأكل السَّمك وَتَشْربُ اللبن .. وَتَشْربِ اللبن، حينئذٍ لا يجوز النصب في هذين الموضعين، لأنَّها لم تُفِد مفهوم (مع) وقد وقع بعدها فعلٌ مضارع، فدلَّ على أنَّ المراد هنا التَّشريك بين الفعلين.

(وَتَشْرَبِ اللبن) بالجزم إذا أردت النَّهي عنهما مجتمعين أو متفرقين، وبالرَّفع إن أردت النَّهي عن الأول واستئناف الثاني، أي: وأنت تشرب اللبن، إذاً: لا تأكل السمك وَتَشْرَبُ اللبن، هذا لا يجوز فيه النصب .. في هذا التَّركيب، ولا تأكل السمك وَتَشْرَبِ اللبن، لا يجوز هنا النصب، لأنَّ الواو ليست بِمعنى: (مع).

إذاً:

وَالوَاوُ كَالْفَا إِنْ تُفِدْ مَفْهُومَ مَعْ ... كَلاَ تَكُنْ جَلْداً وَتُظْهِرَ الْجَزَعْ