للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إذاً نقول: العلامة يلزم من وجودها وجود المعلَّم، أن تكون مطردة، ولا يشترط فيها الانعكاس، بمعنى: أنها إذا انتفت لا بد أن ينتفي المعلَّم، فإن وجد غير المعلَّم ورائها رجعنا إلى العلامة بالنقض، بخلاف التعريف فإنه يجب اطراده وانعكاسه حداً كان أو رسماً، إلا عند من جوز التعريف بالأعم أو الأخص، وهذا عند المتقدمين.

وبدأ هنا بالاسم لشرفه؛ لأنه يقع محكوماً عليه وبه؛ ولأنه لا غنى لكلام عنه، ولذلك قدمه في الذكر وقدمه في الشرح، ذكر الاسم أولاً، ثم الفعل، ثم الحرف بالترتيب، ثم لما جاء يسرد العلامات بدأ بالأول، ثم بالثاني، ثم بالثالث، هذا ماذا يسمى عند أهل البيان؟ لف ونشر مرتب، بمعنى: أنه إذا أراد أن يشرح يرجع إلى الأول حتى ينتهي منه، ثم يرجع إلى الثاني حتى ينتهي منه، ثم إلى الثالث، ولو بدأ بالمتأخر عكس، هذا جائز أيضاً، ويسمى: لفاً ونشراً مشوش؛ لأنه يشوش الذهن، وله فوائد بلاغية:

((يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ)) [آل عمران:١٠٦] يوم تبيض وتسود، ثم لما أراد أن يفصل قال: ((فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ)) [آل عمران:١٠٦] هنا رجع بالعكس.

((لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)) [الحشر:٢٠] بدأ بالثاني.

بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ: هذه كلها مجرورات، ومسند: كذلك مجرور.

لِلاِسْمِ تَمْيِيزٌ حَصَلْ، تمييز يعني: انفصال، عن قسيميه، فحينئذٍ تمييز يكون بمعنى ماذا؟ بمعنى: التميز؛ لن التمييز هذا فعل الفاعل، كالتلفظ والتكليم، حينئذٍ لا يحصل به إفادة المعنى، فالتمييز هنا بمعنى: التميز، من إطلاق المصدر على الحاصل به؛ لأنه الثابت للاسم، لا التمييز الذي هو فعل الفاعل، دائماً إذا جاء المصدر فالأصل فيه أنه حدث، وهذا الحدث منسوب إلى فاعله، فحينئذٍ قد يراد بالمصدر فعل الفاعل، وقد يراد به الأثر .. قد يراد به فعل الفاعل، وقد يراد به أثر ذلك المصدر.

إذا أطلق المصدر ولم تكن ثم قرينة على أنه أراد الأثر حمل على فعل الفاعل، وإن لم يكن كذلك حينئذٍ لا بد من تأويله، فيقال: من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول، كما قلنا: لفظ، يعني: ملفوظ، أولناه لا بد؛ لأن اللفظ هو التلفظ، التلفظ كونك تنطق بالحرف، وتخرجه من مخارجه مرتباً زيد، فعلك أنت، النطق بكلمة: زيد، هذا هو التلفظ، وهذا هو المصدر.

وهل الكلام هو التلفظ أو أثر التلفظ؟ أثره، حينئذٍ يكون من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول، وهذا يسمى مجازاً مرسلاً عند البيانيين، إذاً: تمييز حصل للاسم، هذا البيت فيه عدة أوجه للإعراب:

فيقال: تَمْيِيزٌ: هذا مبتدأ، وجملة حصل بعده: صفة له؛ لأن الجمل بعد النكرات صفات، فجملة: حصل، هذه صفة له، وقوله: للاسم: هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم.

تَمْيِيزٌ حَصَلْ لِلاِسْمِ، تمييز: هذا مبتدأ، حصل: الجملة صفته، للاسم: هذا خبر، بالجر: هذا متعلق بحصل.