للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والسنن ونحوها، وكذا كتب العلل والتواريخ أنهم يتعاملون مع الحديث بشكل شمولي، غير مجزأ ولا مخل، مستعملين أوجز العبارات التي يفهمها أهل الصنعة، كقولهم: (غير محفوظ)، (منكر)، (وهم)، (خطأ).وإنما استعملها النقاد هكذا دون تفصيل - في الأغلب - لأنهم خشوا أن تلتبس الأحاديث على غير المحدثين إذا ما طولوا ببيان علل كل حديث، أو لأنهم اكتفوا بتقديم النتائج من غير بيان الأدلة التي حدت بهم إلى ذلك في الأغلب الأعم دفعاً للتطويل وطلباً للاختصار (١)،والتي أصبحت فيما بعد غامضة، خاصة عندما ضعف علم الحديث، وتوسع بعض الفقهاء في قبول الأحاديث الضعيفة، فأصبحت تلك العبارات كأنها طلاسم، يفسرها كل محدث، أو فقيه (من المتأخرين) بنحو فهمه ومذهبه!!.

كما أثرت مناهج الفقهاء والأصوليين وحاجتهم المتزايدة إلى قبول الأحاديث من أجل الاستدلال بها في هذا المنحى، فمثلا:

قال ابن الصلاح: " الحديث الذي رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا: اختلف أهل الحديث في أنه ملحق بقبيل الموصول أو بقبيل المرسل؟

مثاله حديث:" لا نكاح إلا بولي "، رواه إسرائيل بن يونس في آخرين عن جده أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن أبيه أبي موسى الأشعري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسندا هكذا متصلا، ورواه سفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا هكذا، فحكى الخطيب الحافظ أن: " أكثر أصحاب الحديث يرون الحكم في

هذا وأشباهه للمرسل "، وعن بعضهم أن الحكم للأكثر وعن بعضهم أن الحكم للأحفظ، فإذا كان من أرسله أحفظ ممن وصله فالحكم لمن أرسله، ثم لا يقدح ذلك في عدالة من وصله وأهليته، ومنهم من قال: من أسند حديثا قد أرسله الحفاظ فإرسالهم له يقدح في مسنده وفي عدالته وأهليته، ومنهم من قال: الحكم لمن أسنده إذا كان عدلا ضابطا فيقبل خبره وإن خالفه غيره سواء كان المخالف له واحدا أو جماعة، قال الخطيب: هذا القول هو الصحيح قلت وما صححه هو الصحيح في الفقه وأصوله" (٢).

قلت: تأمل قوله: "أكثر أصحاب الحديث يرون الحكم في هذا وأشباهه للمرسل، وعن بعضهم أن الحكم للأكثر وعن بعضهم أن الحكم للأحفظ" ثم يرجح ماذا؟: " قال


(١) انظر مقدمة جامع الترمذي، د. بشار عواد معروف ١/ ٣٣، ونظرات جديدة، المليباري ص ٩٥.
(٢) مقدمة ابن الصلاح ص ٥٩.

<<  <   >  >>