للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أطلق الترمذي مصطلح "العلة " على النسخ أيضاً إذ قال:" جميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم، ما خلا حديثين: حديث ابن عباس:" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء، من غير خوف، ولا سفر،

ولا مطر". وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه". وقد بينا علة الحديثين جميعاً في الكتاب" (١)، وقال عند تخريجه للحديث الثاني (١٤٤٤): "وإنما كان هذا أول الأمر ثم نسخ بعد "، فالترمذي سمى النسخ علة (٢).

فالمتقدمون أطلقوا العلة على كل حديث"لا يصح العمل به "،باختلاف طرق الإعلال، والمتأخرون قسموا العلة إلى أقسام متعددة واصطلحوا عليها بمصطلحات خاصة بهم تقترب حيناً، وتبتعد حيناً آخر عن مفهوم المتقدمين لها بل جعلوا علم العلل نوعاً من أنواع علوم الحديث ومن فنونه منحازاً عن بقية العلوم الأخرى التي في الحقيقة إنما هي نوع واحد عند المتقدمين!

وبعد هذا أقول: إن المتقدمين لسعة حفظهم، وقدرتهم على معرفة طرق كل حديث ومظانه، كانوا حريصين كل الحرص على تنقية السنة النبوية من الأحاديث التي ليست منها، بل وحتى من الأسانيد التي ظاهرها الصحة وتشهد لها أحاديث صحيحة، ولكنها غير معروفة في دواوين الإسلام الأولى فكان علماؤنا يردونها، ويعللونها بعلل مختلفة، فيقولون مثلاً: غير معروف من طريق سفيان عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود، وإنما المعروف من طريق شعبة وإسرائيل عن أبي إسحاق به (٣).

وهذا يدلل على سعة علمهم، وحفظهم (٤) ومعرفة طرق كل حديث، فتراهم يصولون ويجولون في غربلة الأحاديث: هذا حديث باطل، هذا حديث منكر، هذا الحديث من رواية فلان صحيح وما عداه فباطل، وهلم جرا.

وتراهم يعلون كثيراً من الأحاديث ورجال أسانيدها ثقات لكنها غير معروفة


(١) العلل الملحق بآخر الجامع ٥/ ٦٩٢.
(٢) انظر النكت على ابن الصلاح ٢/ ٧٧١، والباعث الحثيث ص٥٧.
(٣) انظر للتمثيل: علل ابن أبي حاتم برقم (٢٧ و ٣٠ و ٢٥٠٢ و ٢٥١٣ و ٢٧٥٣).
(٤) انظر ص ٢١٤.

<<  <   >  >>