للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيقولون لك: هذا إسناد مستقيم ورجاله ثقات والحديث غير محفوظ، أي: (المتن).

وتراهم يعلون أحاديث باب بعينه فيقولون مثلاً: ولا يصح في هذا الباب شيء.

ومع كل هذا فإنك إذا أردت أن ترجع إلى سند ومتن هذا الحديث الذي أُعل تجده نظيفاً؟! إذن لماذا أعلوه؟!

الجواب على ذلك: إنهم كانوا مصحفاً في الحفظ والضبط - إلا ما شاء الله- فلا تفوتهم شاردة أو واردة إلا وعرفوها.

ومن ذلك ما نقله الحافظ ابن حجر فقال: سأل مسلم بن الحجاج محمد بن إسماعيل - البخاري - فقال: " حدثك محمد بن سلام قال: حدثنا مخلد بن يزيد، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: حدثني موسى بن عقبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" كفارة المجلس أن يقول إذا قام من مجلسه سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ".؟ فقال محمد بن إسماعيل: وحدثنا أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين قالا: حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج، قال: حدثني موسى بن عقبة، عن سهيل عن أبيه، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" كفارة المجلس أن يقول إذا قام من مجلسه سبحانك ربنا وبحمدك ". فقال محمد بن إسماعيل: هذا حديث مليح ولا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا حديثاً غير هذا إلا أنه معلول " (١).!!

هذا الذي دفع بعض العلماء من المتأخرين أن يقولوا:

" إنهم كانوا يعرفون الأحاديث بالفتح الرباني، أو الإلهام، أو ما إلى ذلك " (٢)، لأنهم رأوا عجباً في حفظهم وضبطهم.

لذا كان الأجدر بالمتأخرين أن يكونوا وقّافين عند الأحكام التي أطلقها الجهابذة الأوائل، وذلك لا يعدُ حَجْراً للعلم، ذلك لأن السنة النبوية - المرويات - ليست باباً اجتهادياً حتى أننا نقول: غُلق باب الاجتهاد؟ وإنما هي مرويات معلومة محفوظة - إلا ما شاء الله تعالى -.

وحرص الأئمة المتقدمون على معرفة علل الأحاديث، حتى يقول واحد من أبرزهم، وهو الإمام الجهبذ عبد الرحمن بن مهدي: " لأن أعرف (علة) حديث واحد،


(١) المقدمة ص ٦٧٤ - ٦٧٥.
(٢) انظر شرح علل الترمذي، ابن رجب ١/ ١٢٣ و٤٧٠،وفتح المغيث، السخاوي ١/ ٢٢٠.

<<  <   >  >>