للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحب إلي من أن أستفيد عشرة أحاديث " (١).

لذلك كتب كثيرٌ من العلماء الجهابذة مصنفات في العلل، فهذه علل ابن المديني، وعلل ابن معين، وعلل أحمد، والتاريخ الكبير للبخاري، والتمييز لمسلم، والمراسيل لأبي داود، وعلل الترمذي، وعلل النسائي، وعلل ابن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة، وغيرهم، ناهيك عن تعليلهم المرويات ضمناً في مصنفاتهم، ففي الغالب يضمّن المحدث مصنفه عللاً، ينبه عليها، وهلمَّ جراً.

ولا ُيتصّور أن بإمكان كل أحد إعلال الأحاديث أو الكتابة فيها، فعلل الحديث من أصعب الفنون وأدقها، لأنها تحتاج إلى اطلاع واسع ومعرفة دقيقة وتشبع بهذا العلم الشريف، لا يتهيأ إلاَّ لمن صرف عمره ووقته له.

وقد هيأ الله تعالى لهذا العلم فحولاً أفذاذاً، كشعبة بن الحجاج، وأضرابه، يقول ابن رجب الحنبلي فيه:" هو أول من وسع الكلام في الجرح والتعديل واتصال الأسانيد وانقطاعها، فنقب عن دقائق علم العلل، وأئمة هذا الشأن بعده تبع له في هذا العلم " (٢).

ويقول الإمام أحمد في مدح ابن معين في علم العلل:"ههنا رجل خلقه الله لهذا الشأن " (٣).

ويمتدح الإمام مسلم شيخه البخاري فيقول له مخاطباً:"يا أستاذ الأستاذينَ وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله " (٤).

وقال أبو حاتم الرازي:"كان علي بن المديني علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل" (٥).

أقول فإذا أعل هؤلاء الأئمة أو بعضهم حديثاً فلا يحقُ لمن يأتي بعدهم من المتأخرين مزاحمتهم في إعلالهم، لأنهم حفظوا الطرق وعرفوا المخارج، وتشبعوا بهذا العلم، أما المتأخرون فلربما وقعت لهم طرق لم تصح أوهمتهم بتصحيح بعض ما أعله


(١) شرح العلل ١/ ٤٧٠.
(٢) شرح العلل ١/ ٤٤٨.
(٣) مصدر سابق.
(٤) معرفة علوم الحديث ص١١٤، وانظر شرح العلل ١/ ٣٣.
(٥) شرح العلل ١/ ٤٨٥.

<<  <   >  >>