للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذاً مردوداً، وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد فإن كان عدلاً حافظاً موثوقاً بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما فيما سبق من الأمثلة، وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارماً له مزحزحاً له عن حيز الصحيح، ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه، فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر " (١).

ومن يتتبع صنيع الأئمة المتقدمين في تعليلهم لأحاديث الثقات يرى أنهم يصرحون بذلك فيقولون لك مثلاً: انفرد به مالك ولم يتابع؟ أو أخطأ فيه شعبة إذ رواه موصولاً والجماعة رووه ولم يتابع على وصله، من يتتبع كل ذلك يجد أنَّ الإمام ابن الصلاح ومن نحا نحوه في مفهوم التفرد قد ضيقوا واسعاً، وتحدث عن جزئية من جزئيات التفرد،

فمقاييس القبول أو الرد في الأفراد ليست أحوال الرواة كونهم ثقات أو ضعفاء، بل هناك قرائن تدلل علىكون أفراد الثقات تقبل هنا، وترد هناك، وإلا لأصبح قيد انتفاء الشذوذ والنكارة في حد الحديث الصحيح من قبيل اللغو!، والذي حدا بالحافظ ابن الصلاح أن يقول ذلك هو: أنَّ المتأخرين يتعاملون مع الأسانيد مجردة عن المتون - غالباً - إذ فصلوا الأسانيد عن المتون، وأصبح تصحيحهم الحديث يعتمد على صحة السند، وهذا خلاف منهج الأئمة المتقدمين (٢).

يقول الحافظ ابن رجب في توضيح هذه المسألة:" وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد وإنْ لم يرو الثقات خلافه: (إنه لا يتابع عليه) ويجعلون ذلك علة فيه اللهم إلاّ أنْ يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه " (٣).


(١) مقدمة ابن الصلاح ص٧٦.
(٢) انظر الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين، المليباري ص ١٩.
(٣) شرح العلل ٢/ ٥٨٢.

<<  <   >  >>