للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالمتقدمون يعلون الأحاديث التي ينفرد بها الراوي ولو كان ثقة، إذا كان هذا الحديث ليس معروفاً عندهم.

يقول الإمام أبو داود السجستاني: " والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئاً من الحديث إلاّ أنَّ تمييزها لا يقدر عليه كل الناس والفخر بها أنها مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم، ولو احتج رجل بحديث غريب وجدت من يطعن فيه ولا يحتج بالحديث الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريباً شاذاً " (١).

وهكذا ندرك أنَّ الأئمة المتقدمين يكرهون الأفراد ولو كان من ثقة خاصة إذا كانت تلك الأفراد لا يعرفها المعرفون: قال عبد الله بن المبارك:"العلم هو الذي يجيئك من ههنا ومن ههنا - يعني المشهور -" (٢).

وروى الإمام الزهري عن علي بن الحسين القول: " ليس من العلم ما لا يعرف، إنما العلم ما عرف وتواطأت عليه الألسن " (٣).

وقال الإمام مالك: "شر العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس " (٤).

،وقال الإمام أحمد:"لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير، وعامتها عن الضعفاء " (٥).

والتفرد إما أنْ يكون في الطبقات المتقدمة كطبقة الصحابة الكرام أو كبار التابعين وهذا لا يضر لقرب الراوي من مصدر الحديث، وعدم تشعب الطرق إليه من ناحية، ولعدالة وضبط الصحابة الكرام وكبار التابعين لقربهم من أنفاس النبوة من ناحية أخرى، اللهم إلاّ إذا ثبتت مخالفة فيفزع حينئذٍ إلى القرائن.

وأما إذا كان التفرد في الطبقات المتأخرة - من بعد التابعي - فإن التفرد هنا يضر وخاصة إذا لم يعرفه المعرفون، ولم يحفظه في مدونات الرواية.


(١) رسالة أبي داود إلى أهل مكة ص٢٩.
(٢) شرح العلل ٢/ ٦٢٣.
(٣) شرح العلل ٢/ ٦٢٣.
(٤) سبق.
(٥) شرح العلل ٢/ ٦٢٣.

<<  <   >  >>