للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو حاتم في العلل: " الحديث باطل بهذا الإسناد " (١).

إذن فالمنكر عند البرديجي لا يعني مجرد التفرد بل الخطأ الذي يقع في الحديث.

ومع أننا نتحفظ على قوله هذا، بل وعلى قول أبي حاتم الرازي ببطلان إسناده، لكون الحديث مخرج بهذا الإسناد في الصحيحين، لكن هذا لا يمنع أن يكون عالم مثل أبي حاتم الرازي يعتقد ببطلان إسناده، ومتابعة البرديجي له والحكم عليه بالنكارة.

أما قول الحافظ ابن حجر:" هذا مما ينبغي التيقظ له فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد لكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده" (٢)، فإني أفهم من كلام الحافظ: أن الأوائل كانوا يطلقون النكارة على ما تفرد به الضعيف المعتبر، ولا يطلقونها على تفرد الثقة أو الصدوق؟! وهذا كلام متعقب بما يلي:

إن نسبة هذا إلى أحمد والنسائي وغيرهما نسبة خاطئة فالإمام أحمد والنسائي وابن القطان وغيرهم كانوا يعلون تفرد الثقة وغيره إذا كان متن الحديث فيه مخالفة للأصول أو تقرير حكمٍ تعم به البلوى ولم ينقل إلا من طريق واحد، وقد بيناه فيما سبق، ونذكر بعضا هنا:

أعل الإمام أحمد حديث مالك بن أنس لأنه تفرد فيه وخالف متنه المحفوظ عنده، فمثلاً الحديث الذي أخرجه البخاري من طريق مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة - رضي الله عنه -:" أن الذين جمعوا الحج والعمرة طافوا حين قدموا لعمرتهم وطافوا لحجهم حين رجعوا من منى .. " (٣).

قال:"لم يقل هذا أحد إلا مالك. وقال: لا أظن مالكاً إلا غلط فيه ولم يجئ به أحد غيره. وقال مرة: لم يروه إلا مالك ومالك ثقة " (٤).

قال ابن رجب:"ولعل أحمد إنما استنكره لمخالفته للأحاديث في أن القارن يطوف طوافاً واحداً " (٥).


(١) العلل ١/ ٤٥٤ (١٣٦٤).
(٢) النكت٢/ ٦٧٤.
(٣) أخرجه البخاري (١٦٣٨) ومسلم ٢/ ٨٧٠ (١٢١١) وغيرهما.
(٤) شرح العلل٢/ ٦٥٤.
(٥) مصدر سابق.

<<  <   >  >>