للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دار الخلود، والعدو سبانا إلى دار الدنيا، فنجتهد في فكاك أسرنا، ثم في حث السير إلى الوصول إلى دارنا الأولى. وليعلم أن مقدار السير في الدنيا يسير ويقطع بالأنفاس، ويسير بالإنسان سير السفينة ولا يحس بسيرها وهو جالس فيها.

ولا بد له في سفره من زاد، ولا زاد إلى الآخرة إلا التقوى، فلا بد من تعب الشخص والتصبر على مرارة التقوى، لئلا يقول وقت السير: رب ارجعون، فيقال: كلا، فلينتبه الغافل من كسل مسيره، فإن الله تعالى يريه في قطع مسافة سفره آيات يرسلها تخويفًا لعباده، لئلا يميلوا عن طريقهم المستقيم، ونهجهم القويم، فمن مالت به راحلته عن طريق الاستقامة، فرأى ما يخاف منه، فليرغب إلى الله بالرجوع إليه عما ارتكبه من السبل، فيتوب من معصيته (١).

والحال في الدنيا كما وصفها الربيع بن خثيم عندما سئل: كيف أصبحت يا أبا يزيد؟ قال: أصبحنا ضعفاء مذنبين، نأكل أرزاقنا، وننتظر آجالنا (٢).

وكان شميط بن عجلان يقول إذا وصف أهل الدنيا: حيارى سكارى، فارسهم يركض، وراجلهم يسعى سعيًا، لا غنيهم ولا فقيرهم يقنع (٣).


(١) عدة الصابرين: ٣٣٠.
(٢) صفة الصفوة: ٣/ ٦٧.
(٣) صفة الصفوة: ٣/ ٣٤٦.

<<  <   >  >>