للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحين ذم رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب قال: الدنيا دار صدق لمن صادقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها (١).

وكثير يذم الدنيا وأنها السبب في الطغيان والبعد عن الطاعة .. وما علم أنها دار للاستزادة .. بها الطريق إلى الجنة يبنى .. وبها التزود من الدرجات العلا .. ولكن:

يعيب الناس كلهم الزمان ... وما لزماننا عيب سوانا

نعيب زماننا والعيب فينا ... فلو نطق الزمان به رمانا (٢)

قال الأوزاعي يعظ الناس: تقووا بهذه النعم التي أصبحتم فيها على الهرب من نار الله الموقدة؛ التي تطلع على الأفئدة، فإنكم في دار الثواء (الإقامة) فيها قليل، وأنتم فيها مؤجلون، خلائف بعد القرون الذين استقبلوا من الدنيا آنقها وزهرتها، فهم كانوا أطول منكم أعمارًا وأمد أجساما، وأعظم آثارًا، فجرودا الجبال، وجابوا الصخور، ونقبوا في البلاد مؤثرين ببطش شديد: وأجساد كالعماد، فما لبثت الأيام والليالي أن طويت مدتهم، وعفت آثارهم، وأخوت منازلهم، وأنست ذكراهم، فما تحس منهم من أحد أو تسمع له ركزًا (٣). كانوا بلهو الأمل آمنين، لبيان قوم غافلين ولصباح قوم


(١) أدب الدنيا والدين: ١٣٤.
(٢) الزهد للبيهقي: ١٥٧.
(٣) الركز: الصوت الخفي.

<<  <   >  >>