للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجامع بددت ما يجمع (١)

كم واثق بالعمر أنفيته

ولنتأمل في قول الحسن -رضي الله عنه-: إن أيسر الناس حسابًا يوم القيامة الذين حاسبوا أنفسهم لله في الدنيا، فوقفوا عند همومهم وأعمالهم؛ فإن كان الذي هموا به لله، مضوا فيه، وإن كان عليها أمسكوا، وإنما يثقل الحساب يوم القيامة على الذين جازفوا الأمور في الدنيا، أخذوها على غير محاسبة، فوجدوا الله قد أحصى عليهم مثاقيل الذر، ثم قرأ: {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: ٤٩].

ومن تأمل في مزرعة الدنيا ووقت الحصاد رأى أن الأمر جد لا هزل فيه، وتشمير لا هوادة فيه. فمن قدم بين يديه اليوم رآه غدًا في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة .. يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت .. وتضع كل ذات حمل حملها .. يوم تتطاير فيه الصحف.

قال سلمان بن دينار: ما أحببت أن يكون معك في الآخرة فقدمه اليوم. وما كرهت أن يكون معك في الآخرة فاتركه اليوم (٢).

فهذه الدنيا دار العمل، وغدًا هناك حين تغيب شمس الدنيا،


(١) عقود اللؤلؤ والمرجان: ٢٨٥.
(٢) صفة الصفوة: ٢/ ١٦٦.

<<  <   >  >>