للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نصيب الدنيا في حياتنا كبيرة وتعلقنا بها شديد .. لا نتحدث إلا فيها ولا نغتم إلا من أجلها .. بل ربما العلاقات الاجتماعية أصبحت المادة أساسًا لها .. ولقد هالني يومًا ما رأيته من قلة زائري أحد جيراننا - وكان مسئولاً كبيرًا فالباب مفتوح كما هو والجار جالس في صدر المجلس في وسط حديقة غناء بعد صلاة العشاء ولم أر حركة ولا زوارًا .. فإذا به تلك الليلة أحيل للتقاعد. زوار الأمس هم زوار الدنيا وأهل الكراسي .. أما زوار الآخرة والمحبة الصادقة فإنهم لا يتجاوزون نصف عدد أصابع اليد الواحدة.

هذه هي النظرة المادية .. والمرض الاجتماعي .. ولو تحدث أحدهم لذم الدنيا والتكالب عليها، ولكن ظهر منه حب الدنيا والقرب من المسئولين دون أن يشعر ودون أن يعلم ..

يحكى أن حسان بن أبي سنان مر بغرفة فقال: متى بنيت هذه؟ ثم أقبل على نفسه فقال: تسألين عما لا يعنيك؟ لأعاقبنك بصوم سنة، فصامها.

كم سنصوم من السنين لو حسبنا حسابه وسلكنا طريقه .. !

قال تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [طه: ١٣١].

وقد ارتاح من أفرغ قلبه من هم الدنيا، وأقبل على الله، واستعد ليوم الرحيل .. هذا حماد بن سلمة لو قيل له: إنك تموت غدًا ما قدر أن يزيد في العمل شيئًا (١).


(١) تذكرة الحفاظ: ١/ ٢٠٣.

<<  <   >  >>