للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قراركم، كتب الله عليها الفناء، وكتب الله على أهلها منها الظعن، فكم من عامر موثق عن قليل يخرب، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن، فأحسنوا -رحمكم الله- منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، وإذا لم تكن الدنيا للؤمن دار إقامة ولا وطنًا، فينبغي للمؤمن أن يكون حاله فيها على أحد حالين، إما أن يكون كأنه غريب مقيم في بلد غربة، همه التزود للرجوع إلى وطنه، أو يكون كأنه مسافر غير مقيم ألبتة، بل هو ليله ونهاره يسير إلى بلد الإقامة (١).

فما فرحت نفسي بدنيا أخذتها ... ولكن إلى الملك القدير أصير

ومالي شيء غير أني مسلم ... بتوحيد ربي مؤمن وخبير (٢)

والناس تتصارع وتتكالب على هذه الدنيا .. يفقد البعض دينه، وينسى الكثير أبناءه .. انتشرت الأحقاد .. وزرعت الضغائن .. وعمت البغضاء .. لنرى كيف نظر الفضيل إلى هذه الدنيا بقوله: لا يسلم لك قلبك حتى لا تبالي من أكل الدينا.

أخي الحبيب:

تبلغ من الدنيا بأيسر زاد ... فإنك عنها راحل لمعاد

وغض عن الدنيا وزخرف أهلها ... جفونك وأكحلها بطيب سهاد

وجاهد على اللذات نفسك جاهدًا ... فإن جهاد النفس خير جهاد


(١) جامع العلوم: ٣٧٩.
(٢) شذرات الذهب: ٢/ ١١٩.

<<  <   >  >>