لهم هذا موضوع طالما أجلت فيه الفكر، أثبت تارة وأمحو طوراً، حتى بانت لي واضحة الطريق. فرأيت ضرورة تعميم التعليم في مدن وقرى دولة يرام صلاحها. ومعلوم أن الدولة مجموع أفراد، متى كانوا جهالاً رموا بها في مهاوي الجهالة، ومتى كان البعض عارفاً، والبعض الآخر جاهلاً ضر، وأبطأ جهل البعض من نتائج معرفة الآخر، وإن كان ذلك الضرر كميناً لا يلحظ إلا بدقة النظر في الأحوال العمومية والخصوصية، وإليكم مثلاً لاحظته بقريتكم هذه، وذلك أني أرى في أغلب الطرق قوائم ملصقاً عليها الإعلانات، وتحذيرات من الضابطة موضوعها أمر الأهالي بحفظ النظام وما أشبه ذلك، فلو كان الأهالي أميين لا يعرفون القراءة لالتزمت الضابطة أن تصرف، وقتاً بعد آخر، إنسان يصيح بنعيرته في الأزقة والطرق، يبلغهم الأوامر فيحرك من سكونهم ويكدر من راحتهم، وفضلاً عن أنهم لا يفهمون، أو يفهمون ويستهزئون، يداخلهم الرعب شيئاً فشيئاً بتوالي التبليغ حتى يحط من قوة جأشهم، ويكسبهم صفة الجبن، فيصيروا هم والأغنام سواء، يحتاجون إلى راعٍ يهش عليهم بعصا القوة يحفظ من مجتمعهم، وأما الآن فما عليهم إلا أن يرفعوا أبصارهم ويطالعوا الأوامر، ولهم شغف بمضمونها، ثم يسير عنها بدون أن تهيج لها خواطرهم، على أنها تبقى لديهم نصب أعينهم أية