نعم قد يتعرض الواحد منا لمواقف تقل فيها الأسباب أو تنعدم دون إرادة منه، كمن لم يستطع النوم ويريد إنجاز الكثير من المهام التي تحتاج إلى تركيز وصفاء ذهن .. هنا انعدمت أسباب الراحة أو قلت دون إرادة منه، فماذا يفعل؟ هل يقول: لأني لم أنم فلن أستطيع القيام بهذه الأعمال، أم يتجاوز الأسباب التي لم تتح له ويتوجه مباشرة إلى الله عز وجل، طالبا منه العون والمدد بالقدرة على التركيز وحسن إنهاء هذه الأعمال؟
لو تبنى الإجابة الأولى يكون تعلقه بالأسباب أكثر من تعلقه بالله عز وجل.
ولو تبنى الإجابة الثانية تكون الأسباب بالنسبة إليه وسيلة تتنزل من خلالها القدرة الإلهية .. والدليل على ذلك أنه لم ينزعج عند انعدامها أو قلتها، بل توجه إلى الله مباشرة طالبا عونه ومدده. والأفضل من ذلك أن يكون حاله في وجود الأسباب كحاله عند عدم وجودها من تضرع وإلحاح على الله عز وجل وطلب العون والمدد منه سبحانه.
[علاقة الأسباب المادية بالنصر]
إذن فالواجب يحتك علينا أن نجتهد في تحصيل أسباب القوة، ليتنزل نصر الله ومدده من خلالها دون تعلق بتلك الأسباب، أو اعتبار أن النصر يستلزم وجودها بقدر كبير، وهذا ما كان يفهمه المسلمون الأوائل .. فقد كانوا ينتصرون على أعدائهم وهم أقل منهم عددا وعدة كما حدث في بدر واليرموك وغيرهما من المعارك الإسلامية الخالدة التي أظهرت القدرة والتأييد الإلهي للفئة المؤمنة مع قلة وجود الأسباب المادية معها .. تأمل معي قوله تعالى:{قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}[آل عمران/١٣].