فقوة الإيمان المتولدة من القرآن قد تدفع صاحبها لطلب القيام بأعمال كثيرة تتنافى مع الطبيعة البشرية وما فيها من ضعف، وما لديها من احتياجات، ومن هنا تأتي وظيفة المربي الذي يصحح المفاهيم، ويوجه من معه للوسطية والاعتدال، مثلما فعل صلى الله عليه وسلم مع الثلاثة الذين ذهبوا لبيوت أزواجه صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته، فلما أُخبروا بها كأنهم تقالُّوها (أي: عدوها قليلة)، وقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فأصلي أبدا، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر ولا أُفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني أخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ".
فالمربي يعمل دائما على توجيه من معه على الوسطية والاعتدال وإعطاء كل ذي حق حقه.
تأمل معي توجيهه صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص:" يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل .. فلا تفعل، فإنك إذا فعلت ذلك هجمت عينك، وتفهت نفسك، فصُم وافطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن بحسبك إن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله ".
[ثانيا: ضبط الفهم الصحيح عند الأفراد لمراتب الأحكام وفقه الأولويات مع النظرة الشاملة للإسلام]
تأمل معي قوله صلى الله عليه وسلم وهو يوصي معاذ بن جبل رضي الله عنه لما أرسله داعيا على اليمن:" إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ".