للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقه الأولويات والموازنات من أهم الأمور التي ينبغي أن يُعلمها المُربي لمن معه .. فكثيرا ما سيجد الفرد نفسه أما مصلحتين متعارضتين إن قام بواحدة فاتت الأخرى، فماذا يُقدم وماذا يؤخر؟! .. هنا يأتي دور المربي الذي يُحسن توجيه من معه للتعامل الصحيح في مثل هذه المواقف، فعلى سبيل المثال: عند التعارض بين السعي في خدمة الناس مع عبادة مثل الاعتكاف .. أيهما نُقدم؟

يقول صلى الله عليه وسلم: " ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في المسجد شهرا ".

فما يتعدى نفعه للناس يُقدم على ما كان نفعه مقصورا على الفرد.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بشعب فيه عيينة من ماء عذبة، فأعجبته، فقال: لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب، ولن أفعل حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " لا تفعل، فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة؟ اغزوا في سبيل الله، من قاتل في سبيل الله فَواقَ ناقة وجبت له الجنة ".

ثالثا: حُسن توجيه الطاقات المتولدة لدى الأفراد نتيجة تعاملهم مع القرآن ومنابع الإيمان، وذلك بفتح مجالات العمل أمامهم، وتنظيم حركتهم بين الناس:

ولقد كان المربي العظيم صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مع أصحابه، فيدلهم على أبواب الخير ويستحثهم على ولوجها، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكوم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " (١).

فالمربي الناجح هو الذي يستوعب طاقات من معه، ويفتح لهم المجالات التي تناسب إمكاناتهم.


(١) البخاري (٥/ ٢٢٤٠، رقم ٥٦٧٣)، ومسلم (١/ ٦٩، رقم ٤٨)

<<  <   >  >>