ومنها: أنها تُشعر صاحبها بأن إمكاناته ومواهبه ملك ذاتي له، متى استدعاها وجدها واستعان بها على ما يريد فعله، فتُصور له مثلا أن ذكاءه ذكاء ذاتي يستطيع أن يغلب به غيره وقتما شاء ... وتُصور له أنه سريع الحفظ، وأنه يمكنه متى شاء أن يحفظ أي كلام يريد حفظه في وقت قصير.
فيتولد عن ذلك إعجاب المرء بنفسه ومن ثمَّ غروره بها وتكبره على الآخرين.
والنفس محبوبة، وما تدعو إليه محبوب، من هنا تبرز صعوبة مجاهدتها وإلزامها التجلبب بجلباب العبودية لله عز وجل.
ولقد تناول هذا الموضوع كثير من العلماء السابقين، وطرحوا في كتبهم تصورات كثيرة لجهاد النفس، ولم تخلُ بعض هذه الكتب من أمور فيها مخالفات وتشدد وابتعاد عن النبعين الصافيين: القرآن والسنة، مع ضعف الأثر المترتب على القيام بما يُرشدون إليه.
من هنا تبرز قيمة المعجزة القرآنية وقدرتها على التأثير في النفس وإلزامها طاعة الله بصدق وإخلاص، مع عدم الإخلال بمتطلباتها وحظوظها المباحة، والاحتياجات البشرية للفرد. فليس معنى جهاد النفس عدم النوم أو عدم الضحك أو عدم أكل اللحم أو ... ، فكل ذلك مباح ما دام لا يَخِِل بواجب، ولا يؤدي إلى فعل محرم، ولقد سُئل عبد الله بن عمر: هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم، والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبال (١).
وتكمن طريقة القرآن الفريدة في التعامل مع النفس من خلال محورين رئيسين هما: معرفة الله، ومعرفة النفس مع ممارسة مقتضى تلك المعارف.
(١) مصنف عبد الرزاق - (ج ١١ / ص ٤٥١)، وحياة الصحابة للكاندهلوي ١/ ٣، دار صادر، بيروت - لبنان.