علم الأخلاق وميدان علم الحياة، أو علم ما قبل التاريخ ... ويستدل على هذا بنكتة طريفة يذكر فيها مغامرة بعثة علمية، ذهبت إلى إفريقيا الوسطى من أجل دراسة بعض العينات من القردة، فاكتشفت، أو اعتقدت أنها اكتشفت، حالة نفسية معينة تميز تلك القردة بينما يكشف علم النفس التحليلي أن تلك الحالة لا يمكن أن تكون إلا حالة ((أنا)) متحضر.
وهذه القصة المضحكة تعني أحد شيئين: إما أن الحالات النفسية ليست محددة بالكائنات التي تتصف بها، وأن علم النفس التحليلي أكبر خطأ حدث في تاريخ العلوم، وإما أن البعثة العلمية أخطأت في استخدام هذا العلم حتى إننها التقطت صورة نفسية، اعتقدت أنها صورة القردة المدروسة، بينما هي صورة الدارسين ... منعكسة على موضوع دراستهم.
وعندما يذكر منوني هذه القصة الطريفة، فإنه يشعرنا بأن الغرور الذي يسمى ((الانحراف المهني)) لا يستولي على عقله، وهذه المناعة من الخطأ الذي يقع فيه من يجمد على المنهج، تزيد في قيمة الدراسة التي يقدمها إلينا منوني، خصوصا وأننا نعتبر هذه القصة من حيث الموضوع أكثر مما نعتبرها من حيث المنهج.
إِن الواقع الاستعماري يهمنا في حد ذاته، قبل كل شيء، فالكتاب يلقي الضوء الكشاف على هذا الواقع، ولكنه يكشف لنا مجهولات أخرى، لا تتصل مباشرة بالموضوع، فتخرج هذه المجهولات من ظلمة جهلنا لتصبح في ضوئه معلومات جديدة تثري بصفة عامة دائرة معارفنا، مثل تلك الفكرة التي يعطيها منوني عن التناسب الغريب الموجود بين ((وحدة المكان)) أو الجانب الموضوعي و ((وحدة الإنسان)) أو الجانب الذاتي، فيفسر المؤلف بذلك النزعة العنصرية، أي الشيء الأساسي في نفسية الاستعمار، على أنها أثر لفاصل نفسي يجزىء الذات أو وحدة الـ ((أنا))، عناما يسقط هذا الفاصل الذاتي على سطخ الجانب الموضوعي ((وحدة النوع البشري)) فيجزئه إِلى جزأين، أحدهما له السلطة