للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

اندمجت فيه خصائص العبقرية السلتية والعبقرية الرومانية على حد سواء، بعد واقعة أليزيا، اندماجاً موفقاً رغم الفوارق الجوهرية بين ما يتصف به كلا الطرفين، من مزاج الشمال، ومن مزاج البحر الأبيض.

ولكن مهما تكن النسبة التي تعزى إلى كلا الطرفين في هذا التركيب من الناحية الأخلاقية، فإن النسبة الاجتماعية بينهما تكون دائماً على حد التساوي: فالغالب والمغلوب يتمتعان في النهاية بالحقوق نفسها.

بل وفكرة هذا الازدواج نفسها تنمحي في النهاية، بحيث يسود المجتمع الجديد شعور وحدته، لا شعور ازدواجه، ولا ينشأ هذا الاتزان الاجتماعي من تصريحات خطابية فيها ما فيها من الرياء، بل ينشأ من صميم الواقع، من التعديلات الطبيعية التي يأتي بها التاريخ في صلات شعبين تعارفا في ميدان القتال، ولكنهما التحما في ميدان الحياة، حيث اضطرتهم مشكلاتها إِلى جمع وسائلهم وحاجاتهم ومكاسبهم وخسارتهم.

ومن هذه الاعتبارات العامة، نتصور ما قد يكون الموقف في الجزائر غداة نزول الجيش الفرنسي برأس سيدي فرج: فالجزائر كانت معرضة للاحتمالين اللذين وصفناهما، لولا الاستعمار، فبعد قرن من يوم الاحتلال تبين أن الجيش الفرنسي لم ينزل بأرضنا لاحتلال مؤقت ولا لجرد ((الضم)) بالمعنى التقليدي للكلمتين، لأن الاستعمار أدخل في التاريخ وجهة ثالثة، هي الاستعمار ذاته.

إن نزول الجيش الأجنبي برأس سيدي فرج سنة ١٨٣٠، أعلن حالة الحرب التي دشنت ((الحضور الفرنسي)) بالجزائر، ولكن عبارة ((فرنسي - عربي)) التي صاغها هذا العهد لم تعبر عن الواقع التاريخي الذي نجده تحت عبارة ((سلتي - روماني)) كما تقدم، فما هي إلا تلفيق خطابي لفقه الاستعمار، كي يخفي به حقيقة مجتمع جديد ليس بالعربي ولا بالفرنسي.

وحقيقة هذا التلفيق تظهر عندما نعتبر الأشياء بالنسبة إلى نقطة بداية مناسبة.

<<  <   >  >>