ولكن عندما يتناول هذا البرهان ولي عام سابق، ويظهر لنا كما فعل أخيراً، تعجبه من العدد القليل للطلاب المسلمين المنتسبين إلى كلية العلوم بالجزائر، وعددهم لا يزيد فعلا عن أصابع اليد، فإننا نشعر بثقل هذا المزاح، فلدينا سوابق تذكرنا كيف يفتك بعائلتنا، حين حاولنا بالقدر الصغير الممكن الخروج من حدود ((الثقافة الأهلية)) والقيام بمجهود ما في سبيل تحضير أنفسنا بأنفسنا.
ولا يمكن أن نصور هذه الحالة الدرامية بطريقة أحسن من الإِشارة إلى جانبها المضحك، فهناك قصة طريفة ترددها الألسنة في مدينة تبسة، فقد دعي جزائري كان يطلب وظيفة في الإِدارة الخاصة بالشؤون الأهلية، للمثول أمام الحاكم الفرنسي كي يختبره، وبعد أن خرج الجزائري من مكتبه سجل الحاكم هذه الملاحظة، ((فكر خطير: إنه يعرف الحساب إلى العشرة)).
ومهما يكن في الأمر، فثمرة هذه ((الثقافة الأهلية)) شاخصة اليوم في حالة البلد الثقافية، حيث تدل دلالة واضحة على أن الخرق قد اتسع، وأن تخلف أولئك المساكين ((الذين يحسنون الحساب إلى العشرة)) بالنسبة إلى التطور العام في القرن العشرين قد تفاقم.
وأعراض هذا التفاقم ليست واضحة في المستوى الفكري- مستوى النخبة المثقفة- فحسب، بل هي واضحة أيضاً في المستوى الاجتماعي: مستوى الجماهير الكادحة بل الجماهير العاطلة ..
وفي هذا المستوى نجد أسباب التفاقم قد تضاعفت، حين أضيف التعطيل الضخم الذي فرضه الاستعمار على حياة الشعب المستعمر، إلى أسباب داخلية ناتجة عن الجمود الكبير الذي كبل تلك الجماهير بمرض القابلية للاستعمار.
ففي سنة ١٨٣٠ كان الشعب الجزائري يعيش منذ زمن بعيد في حالة شبه نباتية، لقد كان يعيش من أجل المحافظة على كيانه فقط دون تطور ولا تقدم، بل كان يفقد مفهوم التقدم ذاته- ذلك المفهوم الذي يعتبر من ثمار الفلسفة التي