تبعت عهد دروين- قد كان يفقده لأسباب عامة سنذكرها في دراسة أخرى ربما تنشر قريباً (١).
ولكن الاستعمار أتى وأضاف، في ظروف مناسبة جداً إلى هذه العوامل الداخلية ووطأتها الشديدة، ظروفاً تسارعت فيها عوامل التعجيل، وقد بدأت عملها في تطوير الشعوب المعاصرة ... منذ سنة ١٨٣٠ تقريباً، حين بدأت تظهر فيه النتائج الاجتماعية للحركة العلمية العصرية وللتصنيع.
فالشعب الجزائري حرم من النتائج هذه كلها، لأن رفع مستوى المعيشة في أوروبا، ورفع المستوى الثقافي، مع النتائج التي حققتها الحركة النقابية، مع تحديد حقوق العامل، كل هذه الأشياء تحققت بعد نزول الاحتلال برأس سيدي فرج، أي بعد حدث يعتبر رئيسياً سواء بالنسبة للشعب الجزائري، أم بالنسبة للشعب الفرنسي، الذي سيجد نفسه مندفعاً في تيار التعجيل بالوسائل العلمية والصناعية التي أشرنا إليها، ومن بينها الوسائل التي حصل عليها باحتلال الجزائر، في الوقت الذي سيجد الشعب الجزائري نفسه محروماً من تلك الوسائل وبسببها محروماً من وسائل العلم والصناعة.
فمن هذه الناحية، يمكننا فعلا أن نعتبر الوضع الاستعماري في البلد كعملية حجر على موارده كلها لحساب المستعمِر وحده: عملية حجر في صورة شركة مساهمة يحمل أسهمها الأوروبيون فقط ويديرونها لمصلحتهم فقط، فكان لهذا الانفراد الأوروبي بالمصلحة الجزائرية، أن يؤدي بطبيعة الحال إلى وضع يحمل نزعة ضد ((أهالي)) البلد، كما تؤدي إليه في أقصى نتائجها تلك اللائحة التي وجهها الملك شارل العاشر إلى الحكومات الأوروبية قبيل الاحتلال وبقيت في تقاليد الكي دورسيه ((وزارة الخارجية الفرنسية)) في تحديده السياسة الاسلامية للحكومة الفرنسية في عهودها الثلاثة: الملكية والأمبراطورية والجمهورية.
(١) ذكرت هذه الأسباب في كتاب ((وجهة العالم الإسلامي)).