للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

في صفوف الصحافة الكبرى، كي يوهموا الناس أن القضية لا تخرج عن نطاق ((أزمة مراكشية داخلية)) ليس للاستعمار الفرنسي فيها ناقة ولا جمل.

وعلى هذا شرع الكي دورسيه في توزيع الأدوار على ((رؤساء من الأهالي)) ... ولكن الاستعمار الفرنسي لا يتمتع بمخيلة كبيرة، حتى إنه لا زال يعيش على الأسلوب الذي نعرفه في القرن التاسع عشر.

وهكذا فإنه اكتشف أولا لصين يستطيع تسخيرهما لأي شيء يريده ... ثم شخصا ثالثا مستعداً لقبول ما يوضع في كفه.

وهذا الثالوث المزركش دخل كثالوث ((فراتليني)) المشهور في عالم السيرك، دون أن يكون لهم ما لهؤلاء البهلوانات من كرامة، دخل هذا الثالوث في حلبة التمثيل حيث يقوم أحدهم وهو في مرحلة بدائية لا تحركه إلا الدوافع المنحطة أو المصالح المشبوهة كرجل يتاجر في ((الرقيق الأبيض))، أو كباشا ولاه الشيطان على مدينة مراكش، فهذا الرجل تولى دور ((المراقب الأخلاقي)) في القصة التي أخرجها لنا الاستعمار، وهكذا برز شخص الجلاوي.

ثم وزع الدور الثاني- دور ((الفقيه العارف بحدود الله)) على فرد منحط من الطبقة البرجوازية، نكون قد وصفناه بوصفه الحقيقي إذا قلنا ما يتمتع به من احتقار أهالي مدينة فاس، مسقط رأسه .. وهكذا نعرف شخص الكتاني.

أما الشخص الثالث، الذي قذفت به يد قوية في حلبة المسرح كي يقوم بدور الملك ... في هذه القصة، فهو مستعار من تلك الفئة من الجمهور الفاسي ... التي تتمتع بالجسم الدسم المشحم، والتي نراها كل صباح تهرع في سوق اللحوم وبيدها السلة ... أعني أنه شخص لا يستحق أن نسميه.

فهذا هو كل الجهاز .. وعلبة الصبغة المجهزة لإِعطاء القضية ((اللون المحلي)).

وظن الاستعمار أنه سيوهم الناس بهذا الجهاز، يوهمهم بأنها ليست قصة ملفقة، ولعبة معدة، وتمثيلية موضوعة، بل هي التاريخ نفسه .. بلحمه وعظمه!!

<<  <   >  >>