ولكن هذا لم يخف الحقيقة .. لأن أذن الاستعمار كانت مكشوفة .. فلم يتوهم أحد كما كان يُراد إيهامه، سواء بباريس أو بالرباط أن الجيوش التي طوقت القصر الملكي، وأن المدافع التي صوبت إلى المدينة العربية، وأن الدبابات المستعدة للطوارىء .. وأن ... وأن كل هذا الجهاز الحربي المعد بكل وضوح ضد الملك وشعبه ... ما هو إلا ((إرادة الشعب المراكشي)).
ولكن ما منع هذا الوضوح الصحافة الكبيرة من أن تتابع فضيحتها فيتكلم أحد المراسلين عن ((المبايجة)) ويعني لا شك ((المبايعة)) دون أن يدرك معنى هذا المفهوم، ثم يتكلم عن الترتيبات الحربية التي اتخذتها السلطات، ضد الشعب المراكشي، ثم يعود إلى الدرس الذي لقنته لهم السلطات، فيكتب:((إن الشعب المراكشي قد اختار الملك الجديد، في حرية تامة)).
ولكن يبدو أن هذا الاستنتاج المولد لم يخف الحقيقة عن نظر صاحبه على وجه الخصوص، إذ نراه، كأنه ينتقم لضعف منطقه وفشل محاولته، فينتقم بالخساسة المعروفة عن أمثاله، ينتقم من شخص الملك بالكلام السخيف عن ((حريمه)) (١).
ومما يجب ملاحظته، أنه كلما فقد الأدب الاستعماري أنفاسه، وبرهانه، فإنه يلجأ إلى خردة ((الكليشيهات)) القديمة، فيتهم الخصم بـ ((تعدد الزوجات)) و ((الحريم)) و ((التعصب الإِسلامي)) و ((الشيوعية)) ... هذا إذا قرر الاستعمار إعدام حشود بشرية بكاملها. أو يتهمه بـ ((النزعة الأمريكية))، إذا أراد أن يغتال رجالا مثل فرحات حشاد.
وربما يريح أعصاب مراسل جريدة استعمارية فرنسية أن يتحدث عن ((زوجات السلطان)) وعن ... أنه بصاق الحقد الطاغي.
وهناك أصحاب السر، العارفون الوارثون بنص العقد الصريح الذين
(١) وكلمة ((حريم)) تؤدي في اللغة الفرنسيه غير المعنى الذي تؤديه في اللغة العربية، لأن تعدد الزوجات يعد في الغرب وصمة لا تغتفر.