ورثوا الجمهورية الثالثة (١)، والذين يتفضلون في كل أسبوع في جريدة محلية؛ بالإِدلاء بإرشاداتهم للجمهورية الرابعة.
وهم مجدون في ذلك، بل وربما هم مخلصون بإخلاصهم إلى مصالح معينة، فهم على كل حال لا ينخدعون لمهزلة مراكش.
ولكنهم ينخدعون بمجرد ما يحاولون تحليل الموقف بمراكش، فهم يرون في كل ما حدث يد الجامعة العربية، أما الأمية والبطالة والبؤس، كل هذه الأمراض التي تجعل شعوب شمال أفريقية الثلاثة تعيش دون كفاف الحياة، وحيث يريد الاستعمار أن يبقيها فيه، لأنه يرى في ذلك الطريقة الوحيدة لبقائه، إن هذه الأمراض ما هي في نظر هؤلاء العارفين، إلا الأسباب المصطنعة التي تبرر بها موقفها ((نخبة تستعجل استلام الحكم)).
فهذا هو المآل المخزي الذي يؤول إليه التفكير عندما يتجرد من الوازع الأخلاقي ويجرد منه الأمور الإنسانية، إذ يؤول إلى استنتاجات مدهشة، حتى يكاد منطقهم يقرر أن المجازر التي وقعت بتونس، والمذابح التي حدثت بمراكش والتصفيات التي صفت الشباب الجزائري بالنار، إن كل هذا ما كان إلا من عمل الضحايا أنفسهم، ضحايا تلك المجازر وتلك المذابح وتلك النار.
ومن نتائج هذا المنطق الغريب، إذا قسنا على منواله أن نقول ((إن الملك فضل أن يتنازل عن الحكم، وهو ذلك الوجه الفريد في نبله بين صفوف النخبة المغربية، لأنه من تلك النخبة التي تستعجل استلام الحكم .. )).
إن منطق الاستعمار يسلب الأشياء معناها، حتى تصير بعيدة عن الفهم.
ولكن الواقع يبقى فوق كل التأويلات، فهو يتكلم بلغته الواضحة، المضبوطة، التي لا تحتمل المناقشة.
إن الواقع هو أن السلطات الفرنسية ألقت القبض على جلالة الملك محمد
(١) من العهود الجمهورية الخمسة العهد الذي يعد مطابقا لأوج التوسع الاستعماري الفرنسي.