الخامس، والبوليس الذي قاده إلى محطة الطيران لم يترك له حتى الوقت اللازم لكي يرتدي ملابسه، إن جلالة الملك فارق أهله وقصره وشعبه ووطنه في لباس النوم (بيجاما) لم يستطع ستره إِلا بجلابة تقليدية.
والعبقرية الاستعمارية لم تتورع عن أي تفصيل في الانتقام من الرجل وامتهان كرامته، لأن الاستعمار يتمسك بالمادة وبالهوى في الوقت نفسه. لقد انتقم من الرجل الذي عارض تخطيطاته الموضوعة من أجل الاستبداد والتفقير المادي والأخلاقي والعقلي، ولم ينس تفصيلا من التفصيلات في هذا السبيل.
بل إِنه نسي ... بعض الأشياء، لأنه ليس من طبيعته أن يدركها: إِن الملك أخذ طريقه إلى المنفى ليلة ((العيد الأكبر))، عيد الأضحى، عيد القربان.
وفي ذلك رمز لا ينسى التاريخ أن يسجله. ثم إن هذا الملك قد أبعد عن وطنه لأنه أراد أن يسن له دستوراً ديمقراطياً، فهو قد ترك في قلب شعبه حب الديمقراطية مقروناً باسمه.
وفي هذا ... انتصار باهر يأتي كصفعة للاستعمار: فالديمقراطية تهاجر مع الملك وتذهب معه إلى المنفى، تحت رعاية السلطات التي تدعي أنها تأتي يالديمقراطية من بلادها.
والذين يحاولون إضفاء ((اللون المحلي)) على هذه المأساة لا يستطيعون أي شيء لإِيهام الناس، لا يستطيعون ذلك أو لا في الحقل الذي يهم بالخصوص ((الكي دورسي)) الذي لم يفلح في الواقع إلا في نصب حكم في الرباط لا قيمة شرعية له ولا دولية، لأن الحكم الشرعي هاجر مع صاحبه ولا يبقى من يتولاه بعده بصورة شرعية إلا خليفته في طيطوان، في المنطقة الاسبانية.
وهكذا تبين أن ((الكي دورسي)) وعصابة الرباط قد خسرا ما كان بأيديهم من عوامل الكسب خى بالنسبة إلى ((السياسة التقليدية)) الفرنسية بمراكش، بينما لا تخص نتائج إبعاد الملك والظروف التي تحيط به السياسة فقط.