ولكن من الخطأ أن نجسد الإِجرام في ذات معينة ... إن الاستعمار لا يسمي (مرتينو- ديبلا)(١)، بل إنه وحش ذو رؤوس وأيدي متعددة، إنه في كل مكان يشع منه الإجرام، وهو في كل مكان يغتال ((بلا خوف ودون تأنيب)) ...
يخاف من؟ فالبوليس زميله في الإجرام.
ومن يؤنبه؟ .. من يكون له من الجرأة ومن اللامبالاة ما يكفي حتى يؤنب رجل الحضارة؟ ...
فإذا كان مسلماً هو هذا الجرىء الذي يقوم باحتجات، فالسجن مآله، وكذلك حجز أمواله، والاغتيال.
وإذا كان هذا الجريء من الفرنسيين المعتدلين، فسوف يقول له قائلهم، بلغة الصعاليك:((كفى! كفى!)).
إن الاستعمار ((محيط))، محيط بالمجرمين الذين يضعون ((قانونهم)) الخاص فوق القوانين والأخلاق.
حتى إن المجرمين الذين اغتالوا هادي شاكر، لم يكونوا في حاجة إلى تعليق لافتة على صدر القتيل، عليها هذه الكلمات ((إِن شيئاً لا يقف في سبيلنا)).
إننا في هذا على أتم اتفاق معهم، حيث نعلم كما يعلمون هم، أن الشعب التونسي لا يستطيع أن يؤسس قوة عمومية لقمع الجريمة، فللصعاليك إذاً أن يغتالوا ما يشاؤون، ((بلا خوف وبلا تأنيب)).
هل لدم العباد قيمة، من الدار البيضاء إلى تونس؟ ليست الجريمة هي الأمر المهم، في حد ذاتها، ولكن الغرض منها، وهدفها.
إن السياسة الاستعمارية الفرنسية أصبحت منذ سنة ١٩٤٥ سلسلة من جرائم محتمة، والاستعمار لا يمكنه، حتى أنفاسه الأخيرة والقضاء عليه، أن
(١) وزير الداخلية الفرنسي في الفترة التي وقع فيها أكبر عدد من هذه الجرائم والاغتيالات.