ينفك من قيود تلك الحتمية ... إنه في قبضة الجريمة ... فإذا انتهى من جريمة أولى وجد نفسه مدفوعاً لجريمة ثانية ليكفر بها عن الأولى ... فأي حد من هذا الاطراد المفجع لا يفسر بنفسه؛ ولكن بالحد الذي سبقه.
إن مبررات محلية موجودة بلا شك لتبرير اغتيال الهادي شاكر ومنها أن يبقى الشعب التونسي دون قيادة تحت الإرهاب، فتفقد بذلك مقاومتُه حدتها ومضاءها.
ولكن يبدو أن الشعب التونسي قد اتخذ عدته واستعداده إزاء هذه المناورات ... وهنا لا نستطيع تفسيراً لقتل هادي شاكر إلا في حدود أوسع من النطاق التونسي، أعني في ذلك الجو المكهرب الذي لا زال مليئاً بمجهولات تتصل بإبعاد ملك مراكش وبتحديد إقامته في جزيرة كرسيكا، في ظروف غريبة.
والاستعمار يعلم مصلحته في إسدال الستار على هذه القضية، إِذ يعلم أنها - كما أشرنا إِلى ذلك في مقال سابق- لم تبرز بكل توقعاتها إلى الآن.
وتعليقات مراسل لوموند على هذه الحالة، التي تفسر لنا تحديد إقامة الملك على أنها مجرد احتياطات من ((فرار)) متوقع، ما هي إِلا تعليقاتُ مضحكٍ يريد أن يسلينا، أو إنسان استولى على عقله أسلوب القصة البوليسية.
إن الاستعمار يعلم جيداً أن السجين ليس له أي نية في الفرار إلى الجبل. كلصوص الجزيرة، وعليه فإن إحاطته بهذه الاحتياطات المدققة لا تدل إلا على شيء واحد، هو أن الاستعمار يريد عزله عزلا تاماً، حتى لا يعلم شيئاً عن نتائج إبعاده، سواء في وطنه أو في الخارج.
فمن مصلحة مجلس أركان حرب الاستعمار، من مصلحته العليا أن يتم هذا العزل في الاتجاهين: في عزل الملك عن الخارج إذ لم يتركوا له حتى جهاز راديو تحت يده، وفي عزل الخارج عنه، ولو تطلب هذا ارتكاب جرائم مثيرة تلفت الأنظار .. وتصرفها عن الجرائم السابقة. وهذا ما يفسر اغتيال هادي شاكر.