التي نومتها الأوثان، فانتهت في مصر مثلا (١)، الى أن التاريخ لا يبدأ من مرحلة الحقوق، بل من مرحلة الواجبات المتواضعة في أبسط معنى للكلمة، الواجبات الخاصة بكل يوم، بكل ساعة، بكل دقيقة، لا في معناها المعقد، كما يعقده عن قصد أولئك الذين يعطلون جهود البناء اليومي بكلمات جوفاء، وشعارات كاذبة يعطلون بها التاريخ، بدعوى أنهم ينتظرون الساعات الخطيرة والمعجزات الكبيرة.
ولكن الفكرة استمرت في طريقها أيضاً، وقد رأينا منذ ثلاث سنوات فئة من الشباب في إحدى ضواحي العاصمة الجزائرية تدخل مباشرة حلبة التاريخ ... دون أن تنتظر الساعات الخطيرة، واللحظات الكبيرة والظروف الخيالية، فدخلت ميدان العمل بكل بساطة وتواضع، والمعول بأيديها كي تشق طريقها، طريقا بسيطا متواضعا بضاحية القديس سان أوجين.
وربما لم يكن هؤلاء الشبان يعلمون أن دخولهم في ميدان العمل هو الساعة الخطيرة التي يخشاها الاستعمار واللحظة الكبيرة في تاريخ الجزائر، ومهما يكن الأمر، فها هي الفكرة تستمر في الطريق، وكأن طريقها كان يمر يومئذ بناحية القديس سان أوجين، حتى شعر الاستعمار فعلا بالخطر. وفكر في إيقاف الفكرة الخطيرة عند حدها ... ففتح شنطته مرة أخرى وأخرج منها أشياء كثيرة مسلية، لتسلية الجماهير عن واجباتها وأخرج آلات ميكانيكية تتكلم عن ((تقاليد الإِسلام)) مثل الكتاني والجلاوي، ومن بين الآلات ما يتكلم عن السياسة فيعرضها الاستعمار في المعارض الانتخابية تحت اسم ((النواب الأحرار)).
ثم يخرج من شنطته آلات أكثر تعقيداً ... تلفظ بخطب وطنية: تقدم هذه الآلات للجماهير المنخدعة، كي تلهيها وتمسكها بعيداً عن ساحة الواجبات والعمل، تقدم في صورة أوثان مزينة مجهزة لتأخذ الأبصار وتذهل الألباب. ولكن الجماهير بدأت تشعر بالفتور نحو هذه الألاعيب والأكاذيب والآلات،