ولكن عندما نراهم يتكلمون عن الحرية- تلك العذراء المتمردة التي تستهوي قلوبنا- فإِننا نشعر برعشة في أحشائنا، تأخذنا كما تأخذنا رعشة الاستياء عندما نشاهد منكرا.
إن الشعوب المستعمرة تؤمن بالحرية، ولها حساسية كبيرة لدى هذه العقيدة الثمينة، العقيدة التي لم يستأصلها من روحها قرنان كاملان من هذه ((الحضارة)) الاستعمارية.
ولكن هذه الشعوب المرتبطة، بمقتضى واقعها السياسي أو الجغرافي، بما يسمى ((العالم الحر))، لا تدري عندما يتكلم قادة العالم عن الحرية، هل هذه السخرية اللاذعة، سخرية الأقدار أم سخرية العباد.
ولا نجد مفراً من تأويل الأشياء على هذا النحو أم على ذاك، عندما نرى تصريحات لبعض الشخصيات البارزة، مثل التصريح الذي أفضى به إلى مراسل صحيفة ألمانية من ميونخ، المستر وينستون شرشل، عندما تحدث عن ((مهمته الأخيرة)) وقال: إِنني أحاول تلافي التوتر العالمي، وتمهيد السبل إلى السلم والحرية.
ولا شك أنها مهمة ورسالة في مستوى ذلك ((الضرو البارز)) كيما يسميه مورياك- ذلك الضرو الذي وضع على وجه العالم الذي صنعته الحربان العالميتان، وصمة مخلبه الجبار.
ولكن .. أليس لهذا المخلب أثره أيضا في مصير شعوب مستعمرة لا زالت تسلب حرياتها الأساسية؟.
إننا لا ندعي أن شخصية من الطراز الأول ومعقدة إلى حد كبير، مثل شخصية القطب الانجليزي، يجب عليها أن تتبسط لمجرد أن لا يؤذي تعقدها أذواقنا وأن لا يجرح حساسيتنا، ولكننا في نفس الوقت لا ننتظر أن نجد فيها جوانب تتعارض تعارضا كليا وتتناقض إلى حد أننا نتصور من خلال كلامها عن ((الحرية))، أنها تتكلم عن مسرحيتين، بلغة رجلين.
إنه لا يوجد بأصغر قرية من قرى أوروبا الغربية من لا تبقى عنده تلك