كما سيكون لها ضحايا، كلما تفرض سلطة أجنبية على مصير العباد، وتصرخ لتاريخ الشعوب كلمة يوشع: يا شمس! قفي!!
فكما سيكون لهذه الطريقة أنصار يطبقونها لمصلحتهم وضحايا تطبق على حسابهم، قد يكون لها ضحايا أخرى، في مستوى الفهم للأشياء أولئك الذين يغترون بظاهرها في أقوالهم وفيما يكتبون.
وقد كان فكرنا مع هؤلاء المغتربين، عندما كنا نطالع ذلك العدد من (فرانس أوبسيرفاتور) حيث كتب مراسل هذه الصحيفة بطهران، نبذة قصيرة عن الوضع بعد أن أخذ الجنرال زاهدي بزمام الأمور بإيران، فقال هذا المراسل:((إن بصيص الأمل الذي أتى به الدكتور مصدق قد انطفأ)).
فهذه الخاطرة، هي دون شك نتيجة انفعال المراسل المذكور تحت تأثير الظاهرة التي أشرنا إليها، حيث يبدو وكأنه يفحص الحالة الاجتماعية والسياسية بإيران، في حالتين معينتين، نكون- إذا وصلنا بينهما على شاشة التاريخ دون اعتبار ما يفصل بينهما في الواقع- نكون قد أعطينا فكرة غير صحيحة عن الوضع هناك أي فكرة مقتضبة تعبر عن حالة نرى فيها شخصاً معينا، اسمه رزماره (١)، يعقبه ((رزمارة)) آخر اسمه زاهدي ..
إن ظاهرة ((استمرار الرؤيا)) التي أشرنا إليها، قد ألغت في نظر مراسل الصحيفة الباريسية الفاصل الضخم الذي أحدثه الدكتور مصدق في تاريخ بلاده، كأنما هذا البلد العريق البشوش استمر منذ خمس سنوات في طريقه العتيق، وناي حفيز بين إصبعيه ورباعيات الخيام على شفتيه، وهو يسد أذنيه كي لا يسمع ذلك الضجيج المحموم، المتصاعد في سماء عبادان، ويسد أنفه كي لا يشم رائحة البترول، عندما يعرج طريقه المفروش بالزرابي المبثوثة، وبالزهور المنثورة فيكون على مقربة من المملكة التي تحركها الحمى، ويرفع صولجانها من بيده مصالح
(١) رزمارة هو رئيس الحكومة الاقطاعي الذي وقع عليه انقلاب الدكتور مصدق. وزاهدي الجنرال الذي قام بانقلاب على مصدق.