والغريب في الأمر: أن المسيو أنجلهرد، عندما يذكر العرب من بين أسباب تخريب الغابات بجنوب أوروبا، يقع في مناقضة دون أن يشعر بذلك عندما يعترف من ناحية أخرى بأن شبه الجزيرة الأبيرية (أي بلاد أسبانيا والبرتغال) التي تتسم اليوم بمظهر القحط الخاص بالمناطق الجبلية العارية من الأشجار، كان ترابها يغذي ثلاثين مليوناً من السكان في عصر الخليفة عبد الرحمن.
وإذا كان هذا الخطأ الذي وقع فيه هذا الاختصاصي المحترم من الأخطاء التي ربما لا نقدرها من الناحية الأخلاقية (كمناقضة للحقيقة) أو من الناحية التاريخية (كمناقضة للواقع)، فإننا لا نستطيع أن نزهد في أثره من ناحية سيكولوجة الإدارة، حيث يصبح هذا الخطأ القناع الذي يخفي الحقيقة بالنسبة إلى ما يحدث اليوم من تخريب في شبكة الغابات الموجودة بالجزائر، ويعطي المبررات التي يقدمها أصحاب هذا التخريب الحقيقيين، كما يقدم للمسؤولين ما يعفيهم مسبقاً من المسؤولية حتى أنه ينشأ من هذا الخطأ أكبر صعوبة تقف في وجه مشروع إصلاح التراب بالجزائر، ذلك المشروع الذي يلاقي من الآن الصعوبات التي يلاقيها بمقتضى وسائل قليلة ومهمات كبيرة في بلد لم يستيقظ فيه بعد الرأي العام إِلى أههمية هذه المهمات.
وليس مما هو أقل إفادة فيما كتبه المسيو أنجلهرد، أن أمريكا نفسها واجهت مثل هذه الصعوبات النفسية، حتى التجأت إلى ما يسميه الكاتب ((تلقين ضمير الشعب)) حتى يستيقظ لأهمية هذه القضية.
وكنت، قبل أن أقرأ شيئاً في الموضوع، خصصت مقالاً سنة ١٩٥١، كي ألفت الرأي العام إليه، ويسرني، بعدما قرأت المسيو أنجلهرد، أن وجهة نظري تطابق الإجراءات التي اتخذتها السلطات الأمريكية، تلك الإجراءات التي غيرت وجه الأرياف الأمريكية في مدة عشرين سنة.
ونتمنى أن تتكرر هذه المعجزة في أرض الجزائر حيث نرى الإنسان مهدداً في قوته اليومي بسبب قضية التراب.