والأسلوب. وفي بيان هذه الحكمة يقول الله عزّ وجلّ: وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (طه: ١١٣). قال الزركشي:
وحقيقته- أي وحقيقة التصريف- إعادة اللفظ أو مرادفه لتقرير معنى، خشية تناسي الأول لطول العهد به (١).
وهي من الطرائق التربوية التي سلكها هذا الكتاب المبين، ولنا إلى الحديث عنها عودة- إن شاء الله- عند الحديث عن خصائصه التربوية.
أما الغرض الثاني فهو إخراج المعنى الواحد في قوالب مختلفة من الألفاظ والعبارة، وبأساليب مختلفة تفصيلا وإجمالا، وتصريف الكلام في ذلك، حتى يتجلى إعجازه ويستبين قصور الطاقة البشرية عن تقليده أو اللحاق بشأوه.
وأنت تعلم أن هذا الكتاب إنما تنزّل لتحقيق أمرين: أولهما إقناع العقلاء من الناس بأنه ليس كلام بشر، ثانيهما إلزامهم بالشريعة التي فيها. فلا بدّ فيه من الوسائل التي تفي بتحقيق السبيل إلى كلا الأمرين.
ومن هنا، كان من المحال أن تعثر في القرآن كله على معنى يتكرر في أسلوب واحد من اللفظ ويدور ضمن قالب واحد من التعبير، بل لا بدّ أن تجده في كل مرة يلبس ثوبا جديدا من الأسلوب وطريقة التصوير والعرض، بل لا بدّ أن تجد التركيز في كل مرة منها على جانب معين من جوانب المعنى أو القصة.
ولنضرب لك مثالا على هذا الذي نقول: اقرأ قصة نوح في سورة هود، وهي ما بين قوله تعالى: ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إنّي لكم نذير مبين- وقوله جلّ جلاله: تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ... الآية، وهي في جملتها اثنتان وعشرون آية، ثم ارجع فاقرأ القصة نفسها في سورة القمر من الآية ٩ إلى الآية ١٥ ثم اقرأها في سورة نوح، ثم تأمل في النصوص الثلاثة وقارن بين أسلوب كلّ منها وطريقته في العرض والتصوير والجانب المعنوي الذي يرتكز عليه التعبير في كلّ منها، فإنك إن تأملت في ذلك جيدا تخيلت أنك إنما تقرأ في