الآن وقد انتهينا من عرض هذه البحوث النظرية المتعلقة بكلّ من تاريخ القرآن وعلومه، ومنهج القرآن وأسلوبه؛ نستعيد صورة ذلك كله في نماذج من النصوص القرآنية، نأخذها من مختلف الموضوعات والسور، ونشرحها شرحا يجلي لنا حقيقة كل ما ذكرناه.
وعملنا الأخير هذا، هو المقصود من كل ما أسلفنا الحديث عنه، فليس يكفي أن تعي الذاكرة مسائل شتى من بحوث علوم القرآن وآدابه، مع البعد عن فهم النصوص القرآنية ذاتها، فضلا عن الترطن والتكسر في قراءتها.
ومن هنا تعلم أن الذي هو أهم من معرفة معاني النصوص القرآنية، معرفة تلاوتها وإتقان أدائها. وليس في الأمور المستهجنة والمستقبحة شيء أهجن وأقبح من منظر إنسان يزعم أنه أديب يعلم العربية وآدابها، ومع ذلك فهو يدير بين فكّيه لسانا أعجميا لدى قراءة القرآن، لا يضبط أصله تلاوة ولا يتقن وصفه ترتيلا وأداء! ...
وما رأيت شيئا أبعث للغثيان في النفس من مظهر ذاك الذي يقف من وراء المذياع فيصطنع الجلال والضخامة العربية في صوته، فإذا ما أراد أن يقرأ آية من القرآن، التوى عليه لسانه وراح يتعثر في تلاوتها العثرات المضحكة المتوالية! ...
إنني أهيب بإخواني الذين يهتمون بدراسة العربية وآدابها، أن يبذلوا أقصى ما لديهم من جهود في سبيل التخلّص والانعتاق من الرطانة اللغوية